جار القمر
18 / 09 / 2010, 42 : 10 PM
http://1.bp.blogspot.com/_SMf8umLPL64/TIFusKbJrHI/AAAAAAAAARs/GB17-Ruewiw/s400/%D8%B5%D9%88%D8%B1%D8%A9%D9%A7%D9%A3%D9%A3.jpg (http://1.bp.blogspot.com/_SMf8umLPL64/TIFusKbJrHI/AAAAAAAAARs/GB17-Ruewiw/s1600/%D8%B5%D9%88%D8%B1%D8%A9%D9%A7%D9%A3%D9%A3.jpg)
قبل بزوغ الفجر ، وقبل أن يرتحل الليل
تتقاطع كل ليلة في ذات المكان ، مع تغيّر الزمان ، خيوطٌ بيضاء مُستبدة
بخيوطٍ سوداء حالمة، لتقبع الأخيرة في أسر دائرة الضوء إلى حين !
هاهو الليل يُغادر خجلاً بعد أن كشف الخيط الأبيض أستاره
هاهو القمر يرحل حزيناً ، بعد أن حكى للعشاق علنه وأسراره
صياح الديك يتردّد صداه في الأرجاء ، يتداخل معه صوت المؤذن
الله أكبر ... الله أكبر
يتجدّد للعصافير لحنها الشجيّ ، تستيقظ الزهور وتنبعث منها رائحة الحياة
نستيقظ أُمّنا لتُشعل الأنوار ولا نور يفوق نور وجهها المُضيء ، تلتحف شرشفها وقطرات ماء الوضوء تتساقط من وجهها الطاهر
هيّا يا عيالي قوموا للصلاة .. قوموا الله يهديكم
دقائق معدودة نقضيها في التحوّل من جنبٍ إلى أخر ، يتم فيها استخدام الرُكب عند الضرورة
حيث أنّنا ثلاثة إخوة بأجساد بالغة النُحف ، ننام على طراحتين وتُغطينا بطانية واحدة
نستيقظ على رائحة الحليب المغلي استعداداً للذهاب للمدرسة
نجلس على سفرة الإفطار بوجوه مكتئبة ، وعيون ناعسة ، وأفواه متثائبة
والسعيد فينا من لديه حصة رياضة في ذلك اليوم ، تجده يحرص على ارتداء فانيلة حمراء وبنطلون أخضر وشُرّاب تفوح منه روائح لا زلت أحنُّ لاستنشاقها !
نحمل شِناطنا مُتّجهين بكامل إرادتنا ما يُشبه اليوم معتقل جوانتانامو !
نمشي بخطواتٍ متثاقلة ، نركلُ كُلّ ما يقع أمام أقدامنا من حجارة وعُلب فارغة في رحلة المسير
والفائز هو من يثسجّل كوبري في الأخر !
نصل المدرسة على صوت وإيقاعات أبو بكر سالم يا بلادي واصلي ، تلك الأغنية الوطنية التي تبثها إذاعة المدرسة يومياً ، حتى كرهناها لارتباطها الشرطي بالمدرسة !
هاهو الجرس يُقرع وكأنه يقرعنا في رؤوسنا القرعى !
الكل يركض مُسابقاً ، للوقوف أولاً في طابور الصباح ، باستثناء بعض الكسالى الذين يتوارون في نهاية الصفوف !
واحد اثنين ثلاثة أربع ... مقطوعة يومية لتمارين الصباح
يتخلّّلها بعض التكفيخ من بعض الجبابرة من المعلمين أثناء سيرهم بين الصفوف تحت بند
" اعدل نفسك ، حرّك يدّينك ، خُذ مسافة "
الحصة الأولى على وشك البدء والصراع على أشُدّه للحصول على شرف مسح السّبورة
غبار الطباشير يتناثر في المكان وعلامات استفهام قلقة تتناثر في الأركان
الجميع يسأل الجميع :
حلّيت الواجب ؟ حفظت جدول الضرب ؟
وقبل أن يُكمل الكسالى تعدادهم ، تطرُق باب الصف خيزرانة مُزيّنة باللونين الأخضر والأبيض تم تنسيقها بعناية فائقة ، يحملها معلم الحساب الذي يُحيّينا بعد تحية الإسلام بــالعبارة الشهيرة
الّلي ما حلّ الواجب يوقف
نقف أغلبنا في يومٍ ليس بيوم عرفة ، ليست بلادة ولا إهمال ، ولكنّنا جميعاً أبناء لوالدين يحملان درجة الأمية مع مرتبة الشرف
من يشرح لنا ، من يتابعنا ، من يساعدنا في دروسنا ؟
جميع ما سلف لا يشفع لنا لديهم ، بل أنّ عبارة أولياء أمورنا الخالدة
" اللحم لكم والعظم لنا "
بمثابة إقرار يمنح أولئك الجبابرة كامل الحق في سلخ جلودنا ، وشلوطة رؤوسنا !
لن ينسى أخي الأكبر طيلة ما بقي له قلب ينبض بالحياة ، ذلك المدرس الفلسطيني الذي قام برفعه وهو في الصف الأول ليمسح به السبورة !
ولن ينسى صديقي العزيز طيلة ما بقي له لسان يلهج بالدعاء ، وكيل المدرسة عندما قام بجلده – فلكة – أمام جميع الطلاب وهو في الصف الأول أيضاً !
تنقسم الحصة في تلك المرحلة إلى ثلاثة أقسام :
قسم التفتيش والتحقير ، فسم التعذيب ، قسم الشرح
انتهت الحصة الأولى وليست الثانية بأفضل منها
نفس السيناريو ونفس الحوار يتكرّر ، ولكن يختلف المُخرج ، باختلاف أساليب التعذيب آنذاك !
فُسحة ... فُسحة
عبارة الكل يعشقها ما أن يرّن جرس الفسحة حتى تجدنا نتسابق في الممرات
في تلك اللحظة فقط يمكنك مشاهدة شفاه باسمة !
لما لا ؟ والفسحة لنا بمثابة استراحة قصيرة ننسى خلالها بعض آلامنا ، نُرمّم خلالها بعض ما تهدّم من شخصياتنا !
نتجمّع في أركان الفناء لتناول ما يُمكنه أن يُخرس أصوات أمعاؤنا الفارغة
رُبع حبة تميس ، مدهونة بالميسور إن وُجد !
بعدها نُكمل اللهو والمطاردات ، قبل أن يتجدّد لنا مع العذاب موعد أخر !
الحصة الأخيرة تكاد تكون بمثابة الإنعاش الحقيقي لمداواة بعض جراحنا ، فمعها نُفكّر في القادم على كُبر أوجاع ما مضى
نُشغلها في التفكير ، والخيال ، والأحلام
نُفكّر في وجبة الغداء
نتخيّل تجمّع الرفاق فترة العصر للحديث عن أخر مغامرات السندباد !
نحلم بنهاية جميلة ليوم دراسي كئيب !
وبعد طول انتظار تُُدوّي في الأرجاء أجمل نغمة للجرس ذلك اليوم
نغمة الانطلاق لفضاء الحرية
تمتزج معها أصواتنا المبتهجة بنهاية سعيدة ، تتجدد بنهايتها بداياتنا الحزينة !
فاصلة :
الصورة مصدرها شهادة نجاحي من الصف الأول
والتشخصية ليست من صنعي بل جاءت هكذا بحسب مزاج المصوراتي
ابو مشاري
من قول
قبل بزوغ الفجر ، وقبل أن يرتحل الليل
تتقاطع كل ليلة في ذات المكان ، مع تغيّر الزمان ، خيوطٌ بيضاء مُستبدة
بخيوطٍ سوداء حالمة، لتقبع الأخيرة في أسر دائرة الضوء إلى حين !
هاهو الليل يُغادر خجلاً بعد أن كشف الخيط الأبيض أستاره
هاهو القمر يرحل حزيناً ، بعد أن حكى للعشاق علنه وأسراره
صياح الديك يتردّد صداه في الأرجاء ، يتداخل معه صوت المؤذن
الله أكبر ... الله أكبر
يتجدّد للعصافير لحنها الشجيّ ، تستيقظ الزهور وتنبعث منها رائحة الحياة
نستيقظ أُمّنا لتُشعل الأنوار ولا نور يفوق نور وجهها المُضيء ، تلتحف شرشفها وقطرات ماء الوضوء تتساقط من وجهها الطاهر
هيّا يا عيالي قوموا للصلاة .. قوموا الله يهديكم
دقائق معدودة نقضيها في التحوّل من جنبٍ إلى أخر ، يتم فيها استخدام الرُكب عند الضرورة
حيث أنّنا ثلاثة إخوة بأجساد بالغة النُحف ، ننام على طراحتين وتُغطينا بطانية واحدة
نستيقظ على رائحة الحليب المغلي استعداداً للذهاب للمدرسة
نجلس على سفرة الإفطار بوجوه مكتئبة ، وعيون ناعسة ، وأفواه متثائبة
والسعيد فينا من لديه حصة رياضة في ذلك اليوم ، تجده يحرص على ارتداء فانيلة حمراء وبنطلون أخضر وشُرّاب تفوح منه روائح لا زلت أحنُّ لاستنشاقها !
نحمل شِناطنا مُتّجهين بكامل إرادتنا ما يُشبه اليوم معتقل جوانتانامو !
نمشي بخطواتٍ متثاقلة ، نركلُ كُلّ ما يقع أمام أقدامنا من حجارة وعُلب فارغة في رحلة المسير
والفائز هو من يثسجّل كوبري في الأخر !
نصل المدرسة على صوت وإيقاعات أبو بكر سالم يا بلادي واصلي ، تلك الأغنية الوطنية التي تبثها إذاعة المدرسة يومياً ، حتى كرهناها لارتباطها الشرطي بالمدرسة !
هاهو الجرس يُقرع وكأنه يقرعنا في رؤوسنا القرعى !
الكل يركض مُسابقاً ، للوقوف أولاً في طابور الصباح ، باستثناء بعض الكسالى الذين يتوارون في نهاية الصفوف !
واحد اثنين ثلاثة أربع ... مقطوعة يومية لتمارين الصباح
يتخلّّلها بعض التكفيخ من بعض الجبابرة من المعلمين أثناء سيرهم بين الصفوف تحت بند
" اعدل نفسك ، حرّك يدّينك ، خُذ مسافة "
الحصة الأولى على وشك البدء والصراع على أشُدّه للحصول على شرف مسح السّبورة
غبار الطباشير يتناثر في المكان وعلامات استفهام قلقة تتناثر في الأركان
الجميع يسأل الجميع :
حلّيت الواجب ؟ حفظت جدول الضرب ؟
وقبل أن يُكمل الكسالى تعدادهم ، تطرُق باب الصف خيزرانة مُزيّنة باللونين الأخضر والأبيض تم تنسيقها بعناية فائقة ، يحملها معلم الحساب الذي يُحيّينا بعد تحية الإسلام بــالعبارة الشهيرة
الّلي ما حلّ الواجب يوقف
نقف أغلبنا في يومٍ ليس بيوم عرفة ، ليست بلادة ولا إهمال ، ولكنّنا جميعاً أبناء لوالدين يحملان درجة الأمية مع مرتبة الشرف
من يشرح لنا ، من يتابعنا ، من يساعدنا في دروسنا ؟
جميع ما سلف لا يشفع لنا لديهم ، بل أنّ عبارة أولياء أمورنا الخالدة
" اللحم لكم والعظم لنا "
بمثابة إقرار يمنح أولئك الجبابرة كامل الحق في سلخ جلودنا ، وشلوطة رؤوسنا !
لن ينسى أخي الأكبر طيلة ما بقي له قلب ينبض بالحياة ، ذلك المدرس الفلسطيني الذي قام برفعه وهو في الصف الأول ليمسح به السبورة !
ولن ينسى صديقي العزيز طيلة ما بقي له لسان يلهج بالدعاء ، وكيل المدرسة عندما قام بجلده – فلكة – أمام جميع الطلاب وهو في الصف الأول أيضاً !
تنقسم الحصة في تلك المرحلة إلى ثلاثة أقسام :
قسم التفتيش والتحقير ، فسم التعذيب ، قسم الشرح
انتهت الحصة الأولى وليست الثانية بأفضل منها
نفس السيناريو ونفس الحوار يتكرّر ، ولكن يختلف المُخرج ، باختلاف أساليب التعذيب آنذاك !
فُسحة ... فُسحة
عبارة الكل يعشقها ما أن يرّن جرس الفسحة حتى تجدنا نتسابق في الممرات
في تلك اللحظة فقط يمكنك مشاهدة شفاه باسمة !
لما لا ؟ والفسحة لنا بمثابة استراحة قصيرة ننسى خلالها بعض آلامنا ، نُرمّم خلالها بعض ما تهدّم من شخصياتنا !
نتجمّع في أركان الفناء لتناول ما يُمكنه أن يُخرس أصوات أمعاؤنا الفارغة
رُبع حبة تميس ، مدهونة بالميسور إن وُجد !
بعدها نُكمل اللهو والمطاردات ، قبل أن يتجدّد لنا مع العذاب موعد أخر !
الحصة الأخيرة تكاد تكون بمثابة الإنعاش الحقيقي لمداواة بعض جراحنا ، فمعها نُفكّر في القادم على كُبر أوجاع ما مضى
نُشغلها في التفكير ، والخيال ، والأحلام
نُفكّر في وجبة الغداء
نتخيّل تجمّع الرفاق فترة العصر للحديث عن أخر مغامرات السندباد !
نحلم بنهاية جميلة ليوم دراسي كئيب !
وبعد طول انتظار تُُدوّي في الأرجاء أجمل نغمة للجرس ذلك اليوم
نغمة الانطلاق لفضاء الحرية
تمتزج معها أصواتنا المبتهجة بنهاية سعيدة ، تتجدد بنهايتها بداياتنا الحزينة !
فاصلة :
الصورة مصدرها شهادة نجاحي من الصف الأول
والتشخصية ليست من صنعي بل جاءت هكذا بحسب مزاج المصوراتي
ابو مشاري
من قول