أبو رندا
09 / 08 / 2004, 30 : 03 PM
خرج الفارس محمد المهادي القحطاني في مقدمة قومه يقودهم غازياً من الجنوب إلى الشمال ، و نظراً لوجود حلف قديم بين قبيلة سبيع وقبيلة عبيدة من قحطان ... نزل المهادي ضيفاً على زعيم بني عامر من سبيع ، وكأن القدر يحمله من الجنوب إلى الشمال ليبدأ الفصل المؤلم في قصة (( مفرج وعمشه )) .
ففي طريقه إلى ديار بني عامر وهو في مقدمة جيشه وفرسانه ، رأي المهادي مجموعة من الفتيات يسترقن النظر إلى هؤلاء الفرسان العابرين إلى ديارهن ، ومع أن نظرات الصبايا كانت بريئة ، شاء الله أن تقع عين المهادي على عمشه من دون كل الصبايا .
عمشه التي رحل والدها وتركها تعيش في كنف عمها و ولده ( مفرج ) . و نسجت الأيام بينهما قصة حب نادرة ، لكن المهادي منذ أن رآها إشتعل قلبه بحبها ، فهو الفارس الذي ترك خلفه عشرات الصبايا من بنات قبيلته في الجنوب ، ولم تستطع إحداهن إمتلاك قلبه رغم أن الكثيرات أصابهن الغرام بفروسيته وشهامته وشعره وسيرته التي تملأ الآفاق ... رغم كل ذلك لم يخفق قلبه مثل تلك الخفقات العاشقه إلا عندما رأى ( عمشه السبيعيه ) التي أسرته بحسنها وعيونها التي تنساب كالفجر المشع من خلف البرقع ، لقد ادرك المهادي أن هذه الفتاة التي لا يعرفها ولا يعرف عنها شيئاً ولا عن نسبها ولا يعرف ما إذا كانت متزوجه أو مخطوبه .. هي التي يبحث عنها قلبه ، لذلك تبعها وتابعها بشكل غير مباشر إلى أن عرف بيتها وتأكد من ملامحها حتى يستطيع وصفها ..
ومن هنا .. إفتعل المهادي قصة لمرضه حتى يستطيع البقاء في ديار بني عامر أطول وقت ممكن .. وكان خلالها يبحث عن فارس مثله كي يبوح له بسره ، وأخيراً يجد المهادي ذلك الفارس الذي يمكن أن يأتمنه على سره . و على سر السبب الأساسي لبقائه.
لقد جرب المهادي العديد من فرسات قبيلة بني عامر.
ولكن اختياره وقع على ( مفرج ) .. إختار الحبيب لكي يكشف له أنه يعشق حبيبته ، ويريد الزواج بها ويؤكد له أنه لن يضحي بها تحت أية ظروف ، نزلت كلمات المهادي كالصاعقه على مفرج الذي ووضعته الظروف في هذا الإمتحان الصعب .
في الوقت الذي لا يستطيع أي فارس آخر أن يفكر في عمشه يأتي المهادي ... ذلك الضيف العزيز القادم من الجنوب يطلب مساعدته هو بالذات لتحقيق أمله في الزواج منها ... إنها صدمة لا يتحملها قلب ذلك الفارس العاشق مفرج ، فمنذ ان وصفها المهادي له ، عرف أنه يقصد (( عمشه )) لكنه أخفى أحزانه والآمه بداخله ،
وقاله لضيفه المهادي : لا تقلق .. غداً سوف آتيك بالخبر اليقين .
وذهب مفرج كما المطعون إلى والده يطرح عليه الموضوع ، ويأخذ مشورته ،
فقال له والده : الحرمه بدالها حرمه لكن وين نلقى عز مثل عز المهادي ؟؟
كان ذلك الرأي القاطع كحد السيف سبباً جديداً من أسباب مأساة مفرج ، لكنه امام رأي والده وصالح القبيلة وأخلاق الفرسان إتخذ القرار الصعب ، ورأى أن يضحي بمن أحبها إلى درجة الجنون لذلك الفارس الضيف .
ذهب مفرج إلى المهادي والألم يعتصر قلبه ، أشار عليه أن يأتي معه ليدله على البيت الذي رأى الفتاة تدخله ، ذهب معه ومفرج يدعو الله في سره أن لا يكون البيت بيت عمشه ... لكنها الصدمه تنوي الوصول إلى ذروتها ، فقد كان البيت بيت عمشه .. وكانت الفتاة المقصوده هي عمشه نفسها .. فضغط مفرج على مشاعره النافره ، وكتم صرخة مدويه تريد ان تنطلق من عمق صدره لتملأ فضاء الصحراء .
وبهدوء الشخص الذي أصابه الذهول نادى مفرج بصوت موجوع منخفض : عمشه .. يا عمشه
فخرجت عمشه ، لكنها تراجعت بسرعة البرق عندما رأت مع مفرج رجلاً غريباً .
وهنا سأل مفرج المهادي : هل هذه هي الفتاة التي تقصدها ؟؟
قال المهادي : إيه هي .. تكفى يا مفرج لا تضيع وتضيع حياتي
فرد مفرج على المهادي قائلاً : هذي أختي وحنا قبلنا بك زوجاً لها على سنة الله ورسوله ....................
وهكذا ... لم تغب شمس اليوم التالي إلا وعمشه عروساً للمهادي ، لكنها لم تخضع لتلك الظروف القاسية التي تريد ان تحرمها من حبيبها مفرج .
ففي حين كان المهادي يتهيأ للدخول إلى خدر عروسه ... لم يجدها تنتظره كعروس
بل وجدها تنتظره كفارس لا بد أن يواجه خصمه ويعلن أمامه الحقيقه .
وفي حين كان المهادي يحاول أن يكسر من حدة وشراسة عروسه ، كان مفرج قد توارى عن الأنظار والعيون التي تحاصره بالأسئله ، فالقبيلة التي ضحى بمحبوبته من أجلها إتهمته من أول ليلة بالجبن والنتازل عن حبيبته ، لقد أخذته نفسه إلى الأماكن التي كانت تحبها عمشه ، فحمل حزنه وألمه بإتجاه مبيت الأبل ليشكو إلى تلك الناقة الصغيرة التي تحبها عمشه وتطلق عليها إسم ( النعسانه ) إلى أن اصابته حالة من الهذيان وكأنه يحتضر . ظل يهذي ويبكي ويتألم ، ولم يفق إلا على صوت عمشه وهي تناديه بصوت يخترق الليل الدامس : يا مفرج ... مفرج ... يا مفرج
ولم يصدق اذنيه ، لكن تكرار النداء جعله يصدق أنها بالفعل عمشه التي تناديه ، وهاهو المهادي قادم معها .
ولكن مالذي حدث ؟؟؟
لقد قالت عمشه لزوجها المهادي كل شيء .. كل شيء
ولأنه فارس شهم قدر تضحية مفرج ، وحملها جميلاً على نفسه .
وشق سكون الليل قادماً إلى مفرج قائلاً له: غلبتني يا مفرج بطيبك .. لكن أنا رديتها لك
إقترب المهادي من مفرج ومدي له يده وهو يشرح له ما حدث بينه وبين عمشه .
يقول المهادي : ( يوم دخلت عليها لقيتها واقفه كالذيب ، حاولت أميل راسها بالشعر عيت ، وأنتفضت تقول لي : إسمع يا بن الحلال ترى مفرج مهوب أخوي ، مفرج ولد عمي وكنا متفقين على الزواج ، لكن مرض أمه هو اللي أخرنا )
وهكذا عرف المهادي القصة كلها ، وأراد أن يرد المعروف للفارس الذي ضحى بحبيبته من أجله ، وحفاظاً على سمعة عمشى .. لم يطلقها المهادي مباشره ، وإنما مكث عدة أيام في ضيافة والد مفرج بعد ان إتفق مع مفرج على أن يطلقها ، وخلال تلك الأيام كان مفرج والمهادي لا يفترقان لا ليلاً ولا نهاراً ، فتوطدت الصداقة بينهما لدرجة فاقت الأخوة ، وبعدها رحل المهادي إلى ديار قومه . ومن هناك أرسل الهدايا ومعها خبر طلاق عمشه ، فعادت الحياة إلى روح مفرج مره أخى ، وتزوجا وانجبا ، وبقيت مراسيل الصداقة توطد علاقة الفارسين أكثر وأكثر .
فهل يمكن لقصة بهذا الشكل أن تنتهي عند هذا الحد ؟
لا ... فهي ليست إلا بداية لقصة طويلة أخرى .
فقد درات الايام دورتها وانقضت عشرون عاماً ، واراد الله لها أن تكمل فصولها .
حيث ضاقت الدنيا على مفرج وزوجته وأولاده الثلاثه ، بعد ان فقد زعامة قبيلته وذهب عنه عزه وماله ، وتمكن الفقر والعوز من حياته ، فإتفق مع زوجته عمشه على الذهاب إلى ديار المهادي ، لينقذهم من قبضة الفقر التي لم يستطع محاربته .
لقد كانت هذه النقطة الفارقة في حياة مفرج ، حيث نفد صبره بعد ان ضاقت به الديار التي عاش فيها عزيزاً مكرما ، فعقد العزم على الرحيل .
ومع شروق اليوم العاشر كان مفرج وزوجته وأولاده على مشارف ديار المهادي ، فلم يكن أمامه خيار سوى اللجوء لديار المهادي ، وبالفعل ذهب إليه بعد ان فقد قدرته على إحتمال البقاء في ديار فقد فيها أبامه وأمه وماله .
وماهي إلا ايام قلائل حتى كان مفرج وزوجته واولاده ضيوفاً على المهادي الذي إستقبلهم بحفاوة منقطعة النظير ، و أمر أحدى زوجاته بأن تخلي بيتها بالكامل وتذهب إلى مكان آخر ليكون البيت داراً لمفرج وزوجته وأولاده ، و وجدت عمشه حفاوة من زوجات المهادي والنساء الأخريات ممن سمعن عنها وجئن لرؤيتها والتعرف عليها .
وقبل أن تغادر زوجة المهادي بيتها بعد ان تركته لزوجة مفرج .. قالت زوجة المهادي لعمشه : إن إبنها يذهب إلى المقناص مع أصدقائه ويعود في وقت متأخر من الليل وينام إلى جواري وهو لا يعرف بأننا تركنا البيت ، لذلك عليك الإنتظار حتى يأتي فتخبريه إلى مكاني .
إبتسمت عمشه وهي تودع زوجة المهادي فرحة بعد أن إستفر بهم المقام ، وفي الوقت الذي كانت فيه عمشه تراق نوم أولادها الثلاث وهم ينعموم بنوم عميق ودفء لم يشعرو به منذ وقت طويل ، كان مفرج هو الآخر ينعم بضيافة المهادي وربعه الذين أحتفو به ايما إحتفاء .
كان الليل مختلفاً في عيون عمشه التي اطلقت نظراتها تراقب قدوم زوجها أو إبن المهادي لتخبره الخبر ، ولكن غالبها النعاس وراحت في نوم عميق . ونسيت تماماً أن إبن المهادي قد يأتي إلى البيت في أي لحظة من القنص . نامت عمشه .
وفي تلك الأثناء كان حل موعد قدوم إبن المهادي الذي دخل كعادته متعباً ليسلم نفسه إلى النوم ، ولم تشعر به عمشا ، ولم يخطر بباله هو أن من ينام بجوارها ليست أمه . فأخذ النوم الإثنين .
كان مفرج يودع صديقه بهمسات تمطر المتبقي من الليل صدقاً ومحبه .. وكان مفرج يتشوف إلى رؤية زوجته وأولاده بعد أن إستقر بهم الحال ، وعندما إقترب من المنزل كانت رائحة عطر زوجته تعود به إلى ذكرايات الأيام الخوالي ، تلك الأيام التي طوتها الظروف الصعبة التي مرت بهم وجعلتهم يتركون ديارهم .
دخل مفرج ليطمئن على نوم أولاده ، وكانت قد جذبته رائحة العطر إلى حيث زوجته ، لكنه عندما دخل صعق من هو ما رأى ، لقد وجد جسداً آخر يتمدد إلى جوار زوجته ، ورفع الغطاء بسرعة البرق ، فإذا برجل ينام جنباً إلى جنب زوجته في فراش واحد ، لقد جن جنون مفرج ، فما كان منه إلا أن إستل سيفه وبلمح البصر أغمد السيف في ذلك الجسد الممد بجانب زوجته . لقد كانت الضربة القاضيه والخاطفة من مفرج بالسيف على الرجل أسرع من دهشة عمشه التي أفاقت من نومها العميق مفجوعة : وش سويت يا مفرج وش سويت ؟؟؟ هذا ولد المهادي يا مفرج يجي من المقناص تالي الليل وينوم جنب أمه ، وما درى إن أمه تركت لنا البيت .
سقطت كل الشكوك وتطايرت في الهواء ولمن يبقى لمفرج سوى أمل أن يقلب الجثه لعله يجد فيها روحاً ، ولكن إرادة الله قد نفذت .
جلست عمشه عند رأس الولد الميت تبكي ذلك الحظ العاثر ، ومفرج هو الآخر تحول إلى جثة ليس فيها إلا بقايا حياة ، لا يدري ماذا يفعل في تلك المصيبة التي حلت عليه في أول يوم يحل فيه ضيفاً على المهادي ، أول ليلة يحل فيها ضيفاً على المهادي يقتل ولده ، يالها من حيره ماذا سيفعل ؟؟
ترقبوووووووووو الجزء الثاني من قصة المهادي ومفرج و عمشه
ولكم تحياتي
ففي طريقه إلى ديار بني عامر وهو في مقدمة جيشه وفرسانه ، رأي المهادي مجموعة من الفتيات يسترقن النظر إلى هؤلاء الفرسان العابرين إلى ديارهن ، ومع أن نظرات الصبايا كانت بريئة ، شاء الله أن تقع عين المهادي على عمشه من دون كل الصبايا .
عمشه التي رحل والدها وتركها تعيش في كنف عمها و ولده ( مفرج ) . و نسجت الأيام بينهما قصة حب نادرة ، لكن المهادي منذ أن رآها إشتعل قلبه بحبها ، فهو الفارس الذي ترك خلفه عشرات الصبايا من بنات قبيلته في الجنوب ، ولم تستطع إحداهن إمتلاك قلبه رغم أن الكثيرات أصابهن الغرام بفروسيته وشهامته وشعره وسيرته التي تملأ الآفاق ... رغم كل ذلك لم يخفق قلبه مثل تلك الخفقات العاشقه إلا عندما رأى ( عمشه السبيعيه ) التي أسرته بحسنها وعيونها التي تنساب كالفجر المشع من خلف البرقع ، لقد ادرك المهادي أن هذه الفتاة التي لا يعرفها ولا يعرف عنها شيئاً ولا عن نسبها ولا يعرف ما إذا كانت متزوجه أو مخطوبه .. هي التي يبحث عنها قلبه ، لذلك تبعها وتابعها بشكل غير مباشر إلى أن عرف بيتها وتأكد من ملامحها حتى يستطيع وصفها ..
ومن هنا .. إفتعل المهادي قصة لمرضه حتى يستطيع البقاء في ديار بني عامر أطول وقت ممكن .. وكان خلالها يبحث عن فارس مثله كي يبوح له بسره ، وأخيراً يجد المهادي ذلك الفارس الذي يمكن أن يأتمنه على سره . و على سر السبب الأساسي لبقائه.
لقد جرب المهادي العديد من فرسات قبيلة بني عامر.
ولكن اختياره وقع على ( مفرج ) .. إختار الحبيب لكي يكشف له أنه يعشق حبيبته ، ويريد الزواج بها ويؤكد له أنه لن يضحي بها تحت أية ظروف ، نزلت كلمات المهادي كالصاعقه على مفرج الذي ووضعته الظروف في هذا الإمتحان الصعب .
في الوقت الذي لا يستطيع أي فارس آخر أن يفكر في عمشه يأتي المهادي ... ذلك الضيف العزيز القادم من الجنوب يطلب مساعدته هو بالذات لتحقيق أمله في الزواج منها ... إنها صدمة لا يتحملها قلب ذلك الفارس العاشق مفرج ، فمنذ ان وصفها المهادي له ، عرف أنه يقصد (( عمشه )) لكنه أخفى أحزانه والآمه بداخله ،
وقاله لضيفه المهادي : لا تقلق .. غداً سوف آتيك بالخبر اليقين .
وذهب مفرج كما المطعون إلى والده يطرح عليه الموضوع ، ويأخذ مشورته ،
فقال له والده : الحرمه بدالها حرمه لكن وين نلقى عز مثل عز المهادي ؟؟
كان ذلك الرأي القاطع كحد السيف سبباً جديداً من أسباب مأساة مفرج ، لكنه امام رأي والده وصالح القبيلة وأخلاق الفرسان إتخذ القرار الصعب ، ورأى أن يضحي بمن أحبها إلى درجة الجنون لذلك الفارس الضيف .
ذهب مفرج إلى المهادي والألم يعتصر قلبه ، أشار عليه أن يأتي معه ليدله على البيت الذي رأى الفتاة تدخله ، ذهب معه ومفرج يدعو الله في سره أن لا يكون البيت بيت عمشه ... لكنها الصدمه تنوي الوصول إلى ذروتها ، فقد كان البيت بيت عمشه .. وكانت الفتاة المقصوده هي عمشه نفسها .. فضغط مفرج على مشاعره النافره ، وكتم صرخة مدويه تريد ان تنطلق من عمق صدره لتملأ فضاء الصحراء .
وبهدوء الشخص الذي أصابه الذهول نادى مفرج بصوت موجوع منخفض : عمشه .. يا عمشه
فخرجت عمشه ، لكنها تراجعت بسرعة البرق عندما رأت مع مفرج رجلاً غريباً .
وهنا سأل مفرج المهادي : هل هذه هي الفتاة التي تقصدها ؟؟
قال المهادي : إيه هي .. تكفى يا مفرج لا تضيع وتضيع حياتي
فرد مفرج على المهادي قائلاً : هذي أختي وحنا قبلنا بك زوجاً لها على سنة الله ورسوله ....................
وهكذا ... لم تغب شمس اليوم التالي إلا وعمشه عروساً للمهادي ، لكنها لم تخضع لتلك الظروف القاسية التي تريد ان تحرمها من حبيبها مفرج .
ففي حين كان المهادي يتهيأ للدخول إلى خدر عروسه ... لم يجدها تنتظره كعروس
بل وجدها تنتظره كفارس لا بد أن يواجه خصمه ويعلن أمامه الحقيقه .
وفي حين كان المهادي يحاول أن يكسر من حدة وشراسة عروسه ، كان مفرج قد توارى عن الأنظار والعيون التي تحاصره بالأسئله ، فالقبيلة التي ضحى بمحبوبته من أجلها إتهمته من أول ليلة بالجبن والنتازل عن حبيبته ، لقد أخذته نفسه إلى الأماكن التي كانت تحبها عمشه ، فحمل حزنه وألمه بإتجاه مبيت الأبل ليشكو إلى تلك الناقة الصغيرة التي تحبها عمشه وتطلق عليها إسم ( النعسانه ) إلى أن اصابته حالة من الهذيان وكأنه يحتضر . ظل يهذي ويبكي ويتألم ، ولم يفق إلا على صوت عمشه وهي تناديه بصوت يخترق الليل الدامس : يا مفرج ... مفرج ... يا مفرج
ولم يصدق اذنيه ، لكن تكرار النداء جعله يصدق أنها بالفعل عمشه التي تناديه ، وهاهو المهادي قادم معها .
ولكن مالذي حدث ؟؟؟
لقد قالت عمشه لزوجها المهادي كل شيء .. كل شيء
ولأنه فارس شهم قدر تضحية مفرج ، وحملها جميلاً على نفسه .
وشق سكون الليل قادماً إلى مفرج قائلاً له: غلبتني يا مفرج بطيبك .. لكن أنا رديتها لك
إقترب المهادي من مفرج ومدي له يده وهو يشرح له ما حدث بينه وبين عمشه .
يقول المهادي : ( يوم دخلت عليها لقيتها واقفه كالذيب ، حاولت أميل راسها بالشعر عيت ، وأنتفضت تقول لي : إسمع يا بن الحلال ترى مفرج مهوب أخوي ، مفرج ولد عمي وكنا متفقين على الزواج ، لكن مرض أمه هو اللي أخرنا )
وهكذا عرف المهادي القصة كلها ، وأراد أن يرد المعروف للفارس الذي ضحى بحبيبته من أجله ، وحفاظاً على سمعة عمشى .. لم يطلقها المهادي مباشره ، وإنما مكث عدة أيام في ضيافة والد مفرج بعد ان إتفق مع مفرج على أن يطلقها ، وخلال تلك الأيام كان مفرج والمهادي لا يفترقان لا ليلاً ولا نهاراً ، فتوطدت الصداقة بينهما لدرجة فاقت الأخوة ، وبعدها رحل المهادي إلى ديار قومه . ومن هناك أرسل الهدايا ومعها خبر طلاق عمشه ، فعادت الحياة إلى روح مفرج مره أخى ، وتزوجا وانجبا ، وبقيت مراسيل الصداقة توطد علاقة الفارسين أكثر وأكثر .
فهل يمكن لقصة بهذا الشكل أن تنتهي عند هذا الحد ؟
لا ... فهي ليست إلا بداية لقصة طويلة أخرى .
فقد درات الايام دورتها وانقضت عشرون عاماً ، واراد الله لها أن تكمل فصولها .
حيث ضاقت الدنيا على مفرج وزوجته وأولاده الثلاثه ، بعد ان فقد زعامة قبيلته وذهب عنه عزه وماله ، وتمكن الفقر والعوز من حياته ، فإتفق مع زوجته عمشه على الذهاب إلى ديار المهادي ، لينقذهم من قبضة الفقر التي لم يستطع محاربته .
لقد كانت هذه النقطة الفارقة في حياة مفرج ، حيث نفد صبره بعد ان ضاقت به الديار التي عاش فيها عزيزاً مكرما ، فعقد العزم على الرحيل .
ومع شروق اليوم العاشر كان مفرج وزوجته وأولاده على مشارف ديار المهادي ، فلم يكن أمامه خيار سوى اللجوء لديار المهادي ، وبالفعل ذهب إليه بعد ان فقد قدرته على إحتمال البقاء في ديار فقد فيها أبامه وأمه وماله .
وماهي إلا ايام قلائل حتى كان مفرج وزوجته واولاده ضيوفاً على المهادي الذي إستقبلهم بحفاوة منقطعة النظير ، و أمر أحدى زوجاته بأن تخلي بيتها بالكامل وتذهب إلى مكان آخر ليكون البيت داراً لمفرج وزوجته وأولاده ، و وجدت عمشه حفاوة من زوجات المهادي والنساء الأخريات ممن سمعن عنها وجئن لرؤيتها والتعرف عليها .
وقبل أن تغادر زوجة المهادي بيتها بعد ان تركته لزوجة مفرج .. قالت زوجة المهادي لعمشه : إن إبنها يذهب إلى المقناص مع أصدقائه ويعود في وقت متأخر من الليل وينام إلى جواري وهو لا يعرف بأننا تركنا البيت ، لذلك عليك الإنتظار حتى يأتي فتخبريه إلى مكاني .
إبتسمت عمشه وهي تودع زوجة المهادي فرحة بعد أن إستفر بهم المقام ، وفي الوقت الذي كانت فيه عمشه تراق نوم أولادها الثلاث وهم ينعموم بنوم عميق ودفء لم يشعرو به منذ وقت طويل ، كان مفرج هو الآخر ينعم بضيافة المهادي وربعه الذين أحتفو به ايما إحتفاء .
كان الليل مختلفاً في عيون عمشه التي اطلقت نظراتها تراقب قدوم زوجها أو إبن المهادي لتخبره الخبر ، ولكن غالبها النعاس وراحت في نوم عميق . ونسيت تماماً أن إبن المهادي قد يأتي إلى البيت في أي لحظة من القنص . نامت عمشه .
وفي تلك الأثناء كان حل موعد قدوم إبن المهادي الذي دخل كعادته متعباً ليسلم نفسه إلى النوم ، ولم تشعر به عمشا ، ولم يخطر بباله هو أن من ينام بجوارها ليست أمه . فأخذ النوم الإثنين .
كان مفرج يودع صديقه بهمسات تمطر المتبقي من الليل صدقاً ومحبه .. وكان مفرج يتشوف إلى رؤية زوجته وأولاده بعد أن إستقر بهم الحال ، وعندما إقترب من المنزل كانت رائحة عطر زوجته تعود به إلى ذكرايات الأيام الخوالي ، تلك الأيام التي طوتها الظروف الصعبة التي مرت بهم وجعلتهم يتركون ديارهم .
دخل مفرج ليطمئن على نوم أولاده ، وكانت قد جذبته رائحة العطر إلى حيث زوجته ، لكنه عندما دخل صعق من هو ما رأى ، لقد وجد جسداً آخر يتمدد إلى جوار زوجته ، ورفع الغطاء بسرعة البرق ، فإذا برجل ينام جنباً إلى جنب زوجته في فراش واحد ، لقد جن جنون مفرج ، فما كان منه إلا أن إستل سيفه وبلمح البصر أغمد السيف في ذلك الجسد الممد بجانب زوجته . لقد كانت الضربة القاضيه والخاطفة من مفرج بالسيف على الرجل أسرع من دهشة عمشه التي أفاقت من نومها العميق مفجوعة : وش سويت يا مفرج وش سويت ؟؟؟ هذا ولد المهادي يا مفرج يجي من المقناص تالي الليل وينوم جنب أمه ، وما درى إن أمه تركت لنا البيت .
سقطت كل الشكوك وتطايرت في الهواء ولمن يبقى لمفرج سوى أمل أن يقلب الجثه لعله يجد فيها روحاً ، ولكن إرادة الله قد نفذت .
جلست عمشه عند رأس الولد الميت تبكي ذلك الحظ العاثر ، ومفرج هو الآخر تحول إلى جثة ليس فيها إلا بقايا حياة ، لا يدري ماذا يفعل في تلك المصيبة التي حلت عليه في أول يوم يحل فيه ضيفاً على المهادي ، أول ليلة يحل فيها ضيفاً على المهادي يقتل ولده ، يالها من حيره ماذا سيفعل ؟؟
ترقبوووووووووو الجزء الثاني من قصة المهادي ومفرج و عمشه
ولكم تحياتي