الفلوجة مدينة المآذن أضحت عنواناً للخراب:روائح أسلحة محرّمة .. قبور جماعية .. وخيم لا

الفلوجة مدينة المآذن أضحت عنواناً للخراب:روائح أسلحة محرّمة .. قبور جماعية .. وخيم لاجئين

التاريخ:08/03/1426

البيان / قبل ثلاثة ايام زار مساعد وزيرة الخارجية الاميركية روبرت زوليك العراق فجأة حيث توجه على الفور إلى مدينة الفلوجة وهناك جرى الحديث عن اعادة اعمار ما دمرته الحرب الأميركية والإسراع بعودة اللاجئين وتعويض ابناء المدينة عن أيام المعاناة وفقدان المنازل.

ساعات معدودة قضاها زوليك في الفلوجة أو «مدينة المآذن» كما يطلق عليها أهلها، قبل ان يغادر تاركا خلفه مئات القصص والحكايات التي يرويها ابناء المدينة ولم يتسع وقت المسؤول الاميركي للوقوف عليها لكن «البيان» كان لديها ما يكفي من الوقت للتوجه الى الفلوجة وسماع جزء مما يحكى.

بداية رحلة

حين عقدنا العزم على دخول الفلوجة كنا معبئي الذهن بذلك الصمت الذي غلف قصة هذه المدينة منذ ان هاجمتها القوات الأميركية قبل أشهر، في معركة اكد عسكريون اميركيون انها اكثر شراسة من أي معركة خاضتها القوات الاميركية طوال زمن الاحتلال.ومن الحي الصناعي الى حي النزال، كانت الحكايات تطل برأسها من بين ركام المنازل الخربة لترنو بمرارة الى الزائر الغريب الذي لا يملك في الواقع سوى الكلمات..!

معظم عائلات الفلوجة التي هجرت مدينتها الى بغداد والرمادي ترفض اليوم العودة بعد ان هدأت المعارك التي لم تتوقف طوال اشهر بين القوات الاميركية تساندها قوات عراقية، وبين فصائل المقاومة التي تشعبت في الفلوجة وتنوعت مرجعياتها وأجنداتها، بعضها عقائديا او عشائريا، وبعضها تدفعه ثارات خاصة، لكن الأجندة الوطنية كانت قد طغت على كل الفروع لتؤسس واقعا فلوجيا خطيرا من وجهة نظر الاحتلال، يتطلب (الاجتثاث من العراق).

ويبدو ان اثبات صحة المعلومات التي يرددها الاهالي اليوم بشأن استخدام القوات الاميركية للأسلحة «المحرمة دوليا» وربما أسلحة دمار شامل للقضاء على مسلحي الفلوجة يصبح اكثر صعوبة مع اغلاق المدينة لأشهر امام أي باحث عن الحقيقة، ومع التعتيم الاعلامي الذي يشتكي منه الأهالي.

يقول سعد الجنابي، من أهالي الفلوجة وهو عقيد سابق في الحرس الجمهوري:

«الأسابيع الأولى لهجوم القوات الاميركية على الفلوجة اقترنت باستخدام قوات الاحتلال نوعاً جديداً من الأسلحة والقنابل، هي نفسها التي استخدمت في معركة المطار» الشهيرة.ويضيف «لتلك القنابل خصوصية لم نختبرها نحن في العراق، على الرغم من الحروب التي خضناها في السابق، فهي تقوم بإذابة محيط يتراوح اتساعه بين 25-50 متراً بالكامل وتخلف حروقا بنسبة 100 في المئة لكل ما هو موجود في هذا المحيط.

وهذا السلاح بالتأكيد يعد نوعاً من الاسلحة الكيميائية التكتيكية ذات المدى المحدود، التي تم تطويرها بشكل خاص في الولايات المتحدة».

أسلحة الدمار

الحديث عن استخدام القوات الاميركية «أسلحة محرمة» في الهجوم على الفلوجة يرتبط بعدة أدلة بعضها اخذ طابعا رسميا وبعضها الآخر تم استنتاجه من سياق الخراب الذي عم المدينة والمساحات الكبيرة من الابنية التي اختفت من الوجود لتحل محلها بقع رماد داكنة تنبعث منها روائح كريهة مازالت تملأ فضاء المدينة حتى اليوم.

يقول أبو حيان الفلوجي أحد الذين عايشوا ايام الهجوم: «ان من بين اهم الاسباب التي دفعت قوات الاحتلال لمنع دخول الصحافيين إلى الفلوجة حتى بعد مضي اشهر على الهجوم، ومنع الأهالي لمدة 3 اشهر من العودة الى منازلهم، هو قيام القوات الهندسية الاميركية بحملة واسعة لإزالة آثار الاستخدام المحرم للأسلحة في الفلوجة».

ـ أما على الصعيد الرسمي، فقد كشف مصدر مسؤول في وزارة الصحة رفض ذكر اسمه لـ «البيان» عن نشوب خلافات على اعلى المستويات في الوزارة، على خلفية تقرير اعدته لجنة طبية انبثقت لتقييم الواقع الصحي في المدينة بعد الهجوم الأميركي، وقد اثبت التقرير «استخدام الجيش الأميركي أنواعا غريبة من الأسلحة، منها تلك التي تحرق مساحة بالكامل بما فيها ومن فيها من زرع وبشر!».

الانقسام داخل وزارة الصحة بشأن هذا التقرير حسم اخيرا باستبعاد الاشارة الى استخدام اسلحة كيميائية في الفلوجة، والاكتفاء بإبداء القلق إزاء الوضع الصحي في المدينة.

خيام ولاجئون

عدي سعيد الدليمي احد وجهاء الفلوجة اشار الى ان «مدينة المآذن» تحولت بفعل الدمار الاميركي الى مدينة لخيام اللاجئين. فقد نصب بعض الاهالي العائدين خياماً مهترئة أمام منازلهم المهدمة، وبعضهم اشترك مع جيرانه بخيمة واحدة، لكن هذا الحال لا يشمل كل الاهالي فما زالت النسبة الأكبر منهم تسكن في مخيمات خارج الفلوجة في ابو غريب غربي بغداد وفي الصقلاوية والرمادي، بينما فضل بعضهم الآخر الاستقرار نهائيا في بيوت مؤجرة داخل بغداد.

مخيمات اللاجئين في الفلوجة التي مر بقربها مساعد وزيرة الخارجية الأميركية خلال زيارته الخاطفة للعراق ولقائه ببعض الأهالي، لم تتخل عن مواقفها المعلنة ضد التواجد الاميركي في المدينة، والرغبة في ان يحاول الاعلام ايصال الحقيقة عما جرى ويجري هناك.

باسل المشهداني أحد سكان الخيام تلك يقول: «تمر الأشهر تباعا وتنسى قضيتنا، كأن شيئا لم يحصل على هذه الأرض، وكأن جريمة لم ترتكب بحق أهالي الفلوجة الذين أبيد عدد كبير من شبابهم».

ويضيف المشهداني الذي فقد اثنين من إخوته خلال العمليات الأخيرة: «لم أعثر على جثتي اخويّ عندما سمحوا لعائلتي بالعودة، بعد إجراءات مشددة، وحين تساءلنا عن مصير الشابين اللذين فضلا المكوث في المنزل خلال العمليات، قيل لنا انهما استشهدا في حي الجولان وقامت القوات الأميركية برمي جثتيهما في نهر الفرات».

يصمت المشهداني متأملا حال عائلته التي أذلت في خيام اللاجئين بعد العزة ويقول: «لم نجد لنا منزلا حين عدنا.. فقد كان ركاما احترقت حجارته وتلاشت معالمه. وجدنا منظمة انسانية توزع خياما للاجئين ونصبناها أمام المنزل».

ـ أبو محمد.. جار المشهداني في الخيمة المجاورة، يقول: «أعطونا مبلغ 100 دولار تعويضا عن منازلنا المهدمة ثم قالوا لنا ان «أبناء جلدتكم هم الذين سرقوا ما تبقى من محتويات منازلكم».!

ـ تساءلنا: «من هم هؤلاء الذين قالوا لكم ذلك، ومن هم أبناء جلدتكم..؟»

الجواب بلسان واحد.. «الأميركيون أمروا.. وأفراد «حفظ الأمن» سرقوا..!!

مرافق قصي السابق

لم ندخل الفلوجة بموافقة رسمية، لذلك كانت لدينا حرية اكبر في التحرك، وان كنا قد امتنعنا عن جلب أي كاميرا بسبب منع القوات الأميركية وقوات «حفظ الأمن» دخول أي آلة تصوير إلى المدينة إلا تحت إشرافهم.

استطعنا الحصول على بطاقة التعريف الخاصة بالأهالي، ودخلنا من منفذ المدينة الشرقي الذي انتشرت فيه قوات عراقية وأميركية .. كان السكان ينظرون بألم الى قوات الجيش العراقي الذين يتهمونهم بسرقة منازلهم ومحال المدينة حال دخولهم اليها بعد نهاية المعركة.

بعض الأهالي تحدث لنا عن قصة «حاكم الفلوجة» الحالي اللواء الركن «مهدي» الذي يعرفه الكثيرون من أبناء الفلوجة.. وبشكل شخصي، وخاصة الضباط منهم. ويعلل بعضهم سبب وقوع الاختيار عليه لتولي منصب حاكم الفلوجة وقائد القوات التي سميت «قوات حفظ الأمن والنظام» بأنه يعرف ضباط الفلوجة الذين سبق وقادوا مقاومة شرسة ضد القوات الاميركية طوال الاشهر التي سبقت معركة الفلوجة الثانية.

أحد الضباط السابقين في الجيش العراقي تحدث لنا عن قصة حاكم الفلوجة بقوله «مهدي صبيح، هو عميد سابق في قوات الحرس الجمهوري التي كان يشرف عليها نجل الرئيس السابق قصي صدام حسين، وقد اكتسب ثقة هذا الاخير حتى جعله في نهاية التسعينات من القرن الماضي مرافقا شخصيا له».

ويسترسل الضابط في حكايته «عرف مهدي بمجاهرته بالولاء لقصي وكان قد «بايعه» على ان يقف معه في أسوا الظروف.. لكن حادثا يتعلق بالذمة المالية لمهدي صبيح زرع بذور الفرقة بين الشخصين، ودفع قصي إلى طرد مرافقه من بطانته، وكان قد قرر إحالته الى محكمة عسكرية لولا توسط مهدي لدى شخصيات مقربة من صدام حسين نفسه لحمايته من غضب قصي..

فأمر صدام حسين وقتها بنقله من الحرس الجمهوري الى الجيش العراقي، وجعله آمرا للواء في الجيش العراقي واستمر في هذا المنصب حتى سقوط النظام».قوات حاكم الفلوجة كما يؤكد الأهالي مارست أشد أنواع البطش والقسوة والتعذيب بحق الاهالي منذ توليها امور ادارة المدينة قبل 3 أشهر وحتى اليوم.

الشيخ مجيد الفلوجي من وجهاء المدينة يقول «لا يوجد رجل في المدينة لم يتعرض للتحقيق والتعذيب على يد القوات الأميركية أو ما تسمى بقوات حفظ الأمن والسلام العراقية.. لقد تمت اهانتنا وإذلالنا أمام عوائلنا. قالوا: انتم إرهابيون. ولم يقدموا دليلا واحدا على ما يقولون.. لقد كنا ندافع عن مدينتنا وأرضنا ومازلنا نفعل ذلك».

مدينة أطلال

الفلوجة التي دخلناها وخرجنا منها مسرعين لم تكن سوى مدينة أطلال تدفع المرء الى البكاء دفعا.. كان بعض الاطفال في حي نزال يتسولون الغذاء من الدوريات المرابطة في الأزقة.. بينما قطعت الكهرباء ودمرت منشآتها في المدينة وشح الماء فلجأ الناس الى الفرات البعيد.

العائدون إلى المدينة بعد معاناة المخيمات خارجها اخبرونا انهم اختاروا أهون الشرين فهم هنا في مدينتهم في الأقل وقرب منازلهم ويستطيعون زيارة قبور أبنائهم الرمزية التي نصبت شواخصها في الحدائق والشوارع والملاعب، ولاسيما في الملعب الرياضي الرئيسي الذي تحول الى مقبرة جماعية. أبو مروان من العائدين الى المدينة قبل ايام يقول «لا نعرف ماذا نعمل او الى اين نتجه بالشكوى، حتى أطفالنا تركوا مدارسهم وضاعت عليهم أي فرصة للتعويض بعد انقطاع عام كامل..

ان ما تشاهدونه من حولكم هو خراب متعمد لا يمكن اصلاحه بالتصريحات وبالأحزاب المنشغلة بتقاسم نصيبها من الكراسي في الحكومة.. ولن تنتبه إلى مأساتنا التي نسيها الإعلام.. أو اجبر على تناسيها. ويقول الفنان التشكيلي مؤيد الدليمي «أنا عاجز أمام هذا الكم من الخراب، حتى اللوحة والكلمة لا تستطيع ان تصف ما يعانيه أهالي الفلوجة.. المدينة المذبوحة التي وجه اليها هذا الكم الهائل من الحقد والدمار».

اخبااااااااارك جديده دااااائما

ولك متابعين

مشكووووووووووووووووووور


سلام

اللهم انصر الاسلام والمسلميين
==========