- بَيـلسّآن .. !
24 / 09 / 2010, 40 : 09 AM
.. آلسسلآم عليكم ورحمه آلله وبركآته ..
.. مقآل رآئع عن آللون الأزرق ..
يمكن القول إن الأزرق لون عالمي بامتياز، وهو اللون الأكثر شعبية والأكثر تفضيلاً لدى بني البشر، كما أنه اللون الذي يفضله الرجال تحديداً، أكثر من معظم الألوان الأخرى. إذا أردنا أن نضع لوناً نقيضاً للأزرق، من حيث معانيه ودلالاته، يمكننا اختيار الأحمر؛ فبقدر ما للأحمر من لون حار وشغوف وثائر وناري وهائج على الدوام، بقدر ما للأزرق من لون هادئ ومسالم وبارد. لذا ليس مستغرباً أن يتم استخدام الأحمر والأزرق في الإشارة إلى درجة حرارة الماء في الحنفيات ضمن ترميز عالمي متعارف عليه؛ حيث تشير البقعة الزرقاء في الحنفية إلى المياه الباردة، في حين تشير البقعة الحمراء إلى المياه الساخنة.
وفق التعريف العلمي، فإن الأزرق هو لون ناتج عن ضوء ذي طيف تهيمن عليه طاقة بطول موجي يتراوح بين 440 و490 (نانومتر)، وهو يعتبر أحد الألوان الأساسية الجمعية أو المضافة، أي اللون المنبعث من الضوء مباشرة، حيث يُستخدم إلى جانب الأحمر والأخضر في إنتاج ألوان أخرى.
حين نتحدث عن الأزرق، فإننا في الغالب نشير إلى الأزرق بكل تدرجاته. فتدرجات الأزرق ذات أهمية بالنظر إلى أن دلالات كل درجة لونية قد تختلف عن الأخرى؛ فهناك الأزرق العادي أو الأزرق الوسط، وهناك الأزرق الفاتح، الذي يُشار إليه أيضاً بالأزرق السماوي أو الأزرق اللازوردي، نسبة إلى حجر اللازوَرْد، أو "الأزرق الطفل" في بعض الثقافات، وهناك أيضاً الأزرق الداكن، الذي يعرف بالكُحلي أو الأزرق النيلي، وهناك الأزرق الفيروزي أو التركوازي، وهو الأزرق الذي يشوبه اخضرار. وما بين كل درجة زرقاء وأخرى، ثمة درجات بينية تكشف مزاجاً عريضاً ومتشبعاً لهذا اللون متعدّد الأبعاد والدلالات.
- مهدئ ومعالج:
لمّا كان اللون الأزرق هو لون السماء، التي تظلل عالمنا، ولون البحر، الذي يشي بالعمق واللااتساع اللانهائيين، من الطبيعي والحال هذه أن تكون للأزرق الغلبة في الكون، بالتالي أن يكون لوناً سائداً ومتسيِّداً، يُعتبر الأزرق لوناً مسالماً ومهدئاً، حيث يعمل على توليد مواد كيميائية تساعد الجسم على الاسترخاء. لذا تراه اللون المفضل في ديكور غرفة النوم، لأنه يخلق شعوراً بالراحة، ويسرّع في النوم. كذلك، يعتبر الأزرق من الألوان التي تحفز الإنتاج وتزيد الإبداع، وهذا ما يجعله لوناً أثيراً في مكاتب العمل، حيث يكون الموظفون أكثر إنتاجية. كما لوحظ أن الأزرق يعزز النشاط العضلي للجسم. ولعل هذا ما يجعله خياراً معتمداً في معظم القاعات الرياضية، بل أظهرت الدراسات أن رافعي الأثقال أكثر قدرة على رفع أثقال أكبر وزناً في غرف زرقاء، في السياق ذاته، ثبت أن الأزرق يعمل على تقليل معدل النبض، بالتالي يخفف من التوتر، كما يقلل من درجة حرارة الجسم. على مدى العقد المنصرم، توصل العديد من العلماء والباحثين إلى أن اللون الأزرق يُستخدم بنجاح في علاج العديد من المشكلات النفسية، من بينها الإدمان بأنواعه، واضطرابات الأكل، كالشره وفقدان الشهية العصبي، والعقم والاكتئاب.
في ما يتعلق بـ"العلاج بالأحجار الكريمة"، وهو نمط من العلاج الروحي والنفسي، ينطوي على خصائص ميتافيزيقية تنعكس على صحة الجسد، وله مريدون كثر، فإن الأحجار الزرقاء تصب في العديد من المنافع والمزايا المشار إليها أعلاه. فحجر الفيروز مثلاً يعد مثالياً لامتصاص المشاعر السلبية ومنحنا الحكمة وتعزيز قدراتنا الطبيعية، كما يُستخدم في حمايتنا من الشر المحدق بنا، خاصة لهجة الحسد، ويعزز الإبداع والمقدرة على التعبير الذاتي ويحقق التوازن العاطفي، كما يحارب الخوف والصداع والاكتئاب وفقدان الشهية المرضي. وهناك حجر اللازوَرْد، بلون زرقة مياه البحر الهادئة، حيث يُنصح بارتدائه أو التزين به لتهدئة النفس والتخفيف من التوتر. اللازورد يخفف أيضاً من الاكتئاب ويضفي الانسجام على علاقاتنا العاطفية، كما يعمل على تطهير الروح وتنقية الفكر، ويمنحنا الصبر والحدس والصدق والطيبة ويعزز مقدرتنا على الفهم. أما التوباز فيعزز الفردية والإبداع والثقة بالنفس، كما يساعد على إزالة الشكوك، والمضي قدماً في اتخاذ القرارات الحاسمة دون تردد. إلى ذلك، يساعد التوباز أيضاً على تصحيح سلوكيات غير مرغوب فيها، كما يطرد السلبية ويعزز الإيجابية، ويساعدنا على الاسترخاء والتخفف من الضغوط النفسية. ونتوقف مع الصوداليت، الذي يعزّز تقديرنا الذاتي واعتمادنا على النفس، كما يخفف من اضطراباتنا العاطفية. وهناك الأكوامارين أو "الزبرجد"، بلونه الأزرق الغامق بعض الشيء، الذي يعكس محبتنا لأصدقائنا وللناس من حولنا ويقوّي إيماننا بمثُل عليا ويساعدنا على التخلّص من أية مشاعر كئيبة، كما ننصح بالسافير الأزرق تلمساً للهدوء وسلام الروح واستقرار النفس.
- أمزجة ودرجات:
لعلّ اقتران الأزرق بالسماء وبأعماق البحار، أمر يسبغ على هذا اللون روحانية، ويضفي عليه صفة ماورائية. هذه الروحانية تُستثمر في التأمل. إذ غالباً ما يستخدم اللون الأزرق السماوي، الشبيه بلون السماء الصافية، لدخول الشخص حالة من النشوة، لأن هذا اللون يبدو وكأنه يشدّك إلى ما لا نهاية، إلى أعماقه الجوانية، بحيث تصل معه إلى عوالم غير مرئية. هذه الروحانية تجعل الأزرق يُستخدم في العديد من الثقافات والحضارات الإنسانية في طرد الأرواح الشريرة. وفي ثقافتنا العربية تحديداً ترانا نلجأ إلى الخرزة الزرقاء أو الفيروزية لدرء الحسد. يشاطرنا هذا الاعتقاد اليونانيون، فاللون الأزرق يطرد العين الحاسدة، وأولئك ممن يؤمنون بهذه الخرافة يرتدون سواراً أو قلادة زرقاء طلباً للحماية. بالنسبة إلى الروحانيين، الذين يزعمون أنهم قادرون على رؤية ما يُعرف بـ"الهالة" بعينهم الثالثة، أي بصيرتهم، فهم يعتقدون أن الشخص الذي تحيط به هالة زرقاء هو شخص روحاني بطبيعته، يهتم بالنشاط الاجتماعي، ويعمل في وظائف تتطلب انخراطاً اجتماعياً، مثل مرشد اجتماعي أو مستشار أو طبيب نفسي أو معلّم أو كاتب.
إن الأزرق يوحي بالثقة والولاء والإخلاص والالتزام. لذا يُنصح عند إجراء مقابلة لوظيفة ما ارتداء بزة زرقاء، ويفضل أن تكون زرقاء داكنة أي كحلية. وإذا كنا قد شبهنا الأزرق بالبحر، بكل حالاته وأمزجته، بسكونه وهيجانه، بسطحه وقاعه، وبالتالي تغيّر زرقته حسب المزاج، فإن درجات الأزرق لها مزاجها هي الأخرى، تماماً كالبحر، فإذا كان الأزرق العادي يشي بالهدوء واللطف والأمان، كالبحر الساكن، فإن الأزرق الداكن أو الكحلي، وهو الجانب الغامض من البحر، حين يكون هائجاً أو غامقاً، ينطوي على دلالات رمزية غاية في العمق؛ فهو يشي بالغموض، والحكمة، وقوة الشخصية، وتحكُّم المرء في أدواته وقدراته، كما يعكس نوعاً من الاكتفاء الروحي والنفسي. وبينما يوصف الأزرق العادي أو الفاتح بأنه لون التواصل مع الآخرين، فإن الكُحلي هو لون التواصل مع الذات الداخلية، حيث يحيل المرء إلى مزيد من الاستبطان والتأمل، ويعزز بصيرته.
في علم الاجتماع، يمثل الكُحلي المعرفة والقوة والسلطة والنزاهة والجدية والوقار والذكاء. كما يعكس الأزرق الداكن الثراء ولمسة التفوق. في الحضارات والثقافات الغربية، ليس من قبيل الصدفة أو العبث أن يرتدي أولئك الذين يحتلون رأس السلطة أو العاملون في مراكز القوى السياسية، كالرؤساء والوزراء والنّواب، بزات زرقاء داكنة أو كحلية (حتى وإن لم تعكس نزاهتهم بالضرورة). كذلك، ترتدي قوات حفظ السلام الدولية القبعات الزرقاء، كما يرتدي رجال الشرطة في أنحاء عديدة من العالم بزات زرقاء أو كحلية لأنها توحي بالأمن والأمان. نلاحظ أيضاً أن كابتن الطائرة في الغالب يرتدي بزة كحلية داكنة، لدلالات السلامة والأمان نفسها. في معظم الثقافات، يقترن اللون الأزرق السماوي بملابس الأطفال والرضع من الذكور. لذا يشار إلى هذا اللون في اللغة الإنجليزية مثلاً بـ"baby blue"، أي الأزرق الطفل. ومن غير المعروف سر اقتران الأزرق بالذكر، إلا أن بعض النظريات تذهب إلى أن الأزرق لون ذكوري، بمعنى أنه لون يفضله الرجال، بينما تؤكد نظريات اجتماعية أخرى أنه تاريخياً، وفي العديد من الثقافات، كان المولود الذكر هو الأثير، بالتالي يتم اختيار الأزرق في لباسه وفي اكسسواراته لحمايته من العين الحاسدة.
- أبعاد سلبية:
لكن الأزرق لا يخلو، شأنه في ذلك شأن معظم الألوان، من دلالات وأبعاد سلبية؛ فحين يطغى اللون الأزرق العادي في مكان أو بيئة ما، فإن هذا يولّد إحساساً بالبعد والجفاء والبرودة، وما يزرعه ذلك من قشعريرة في الجسد والروح. فالأزرق يقترن بالبرد، من هنا جاء تعبير من نوع "يزرقّ من البرد"، أو تميل البشرة إلى الازرقاق من شدة البرد.
وحين يكون الأزرق في مكان ما، غامقاً وداكناً أكثر من اللازم، فإنه يشيع جواً من الكآبة. لذا كثيراً ما يستخدم الأزرق الغامق كتعبير عن الليل والأفول.
في ثقافتنا العربية، فإن الأزرق ليس لوناً محبباً على الدوام. فإذا كانت الخرزة الزرقاء تُستخدم للوقاية من الحسد، فإن أسوأ الحسّاد، هم ذوو العيون الزرق، ومنهم جاء المثل الشعبي، الذي يصف الحاسد "عيون زرق وأسنان فرق". ولقد ورد اللون الأزرق في القرآن الكريم في موضع واحد في قوله تعالى: (يوم يُنفَخ في الصور ونحشُر المجرمين يومئذ زرقاً) (طه/ 102)، ولقد تم جعلهم زرق العيون لان الزرقة، هي أسوأ ألوان العين وأبغضها عند العرب، فكان "أزرق العين"، كتعبير، يُستخدم في وصف العدو. كذلك فإن "زرقا" تعني العمى، لأن العين تصاب بازرقاق عند العمى.
في العديد من الثقافات يرتبط الأزرق بالحزن والكآبة. في اللغة الإنجليزية، حين يقول أحدهم "I feel blue"، فهذا يعني "أشعر بالكآبة أو الحزن"، علماً بأن كلمة blue هنا تعني أزرق. تعود العلاقة بين الازرق والحزن إلى الميثولوجيا اليونانية؛ فالأزرق مرتبط بالمطر أو العواصف. وبحسب الأسطورة اليونانية كان "الإله زيوس" حين يكون حزيناً يجعل المطر يهطل، وحين يكون غاضباً فإنه يعمل على هبوب عاصفة. كذلك، يُقال إن الشعور بالكآبة والحزن واستخدام كلمة "أزرق" لوصف مشاعر الحزن مرتبطان بعادة قديمة لدى بعض البحارة؛ فإذا فقدت السفينة قبطانها أو أياً من أفراد طاقمها أثناء رحلتها، كانت ترفع أعلاماً زرقاء، كما يتم صبغ شريط أزرق حول محيط هيكلها الخارجي حين تعود إلى موطنها، كناية عن أنها في حالة حزن وحداد. وعلى سيرة الحداد، يعتبر الأزرق لون الحداد في المكسيك.
من هنا جاءت موسيقى "البلوز" (جمع كلمة "بلو" blue)، وهي نمط من الموسيقى ابتدعها الأميركيون من أصل إفريقي، تطورت من الأغاني التي كان السود يغنونها، في زمن العبودية، في الحقول والمزارع الأميركية، حيث كانت، ولا تزال، يغلب عليها طابع الحزن والحنين، معبرين من خلالها عن معاناتهم وشقائهم. حتى اليوم، لا تزال موسيقى "البلوز"، التي شهدت تطوراً وتنوعاً وانتشاراً عالمياً، تكسوها غلالة من النغمات الحزينة، الشبيهة بالأنين، أو التي تعبر عن شوق غير مكتمل وحب محبط.
كذلك، يعد الأزرق اللون الأقل إثارة للشهية، ربما لأنه الأقل حضوراً في ألوان الطعام في الطبيعة. وترى البشر يتجنّبون الأطعمة التي يميل لونها إلى الأزرق، لأن الازرقاق هنا مؤشر إلى السمّ، بالتالي فإن الطعام الأزرق قد يكون فاسداً أو مسموماً.
- في اللغة والسياسة:
تجدر الإشارة هنا إلى أنه في العديد من اللغات لا يوجد تمييز بين الأزرق والأخضر، حيث تُستخدم مفردة لغوية واحدة للونين؛ فعلى سبيل المثال، في اللغة الفيتنامية يُشار إلى كل من أوراق الشجر الخضراء والسماء الزرقاء بمفردة واحدة. فإذا ما وردت أوراق الشجر والسماء في السياق ذاته، يتم إضافة كلمة بحر أو محيط للمفردة للإشارة إلى أنه يُقصد بها اللون الأزرق، كما تضاف إليها عبارة ورقة شجر كناية عن اللون الأخضر المراد التعبير عنه. كذلك هناك حفنة لغات لا يوجد فيها فرق بين اللونين الأسود والكُحلي، فيتم الإشارة إليهما بالمفردة ذاتها.
من المعروف أن الأزرق يشكل قاسماً مشتركاً في أعلام العديد من الدول. فالأزرق الفاتح هو اللون الوطني لإيطاليا، كما يشكل مع الأبيض اللونين المعتمدين في أعلام دول عدة كاليونان والأرجنتين والسلفادور وفنلندا وغواتيمالا ونيكاراغوا والصومال، إضافة إلى علم الأمم المتحدة، الذي يعتمد الأزرق الفاتح أو السماوي مع كتابة بيضاء رمزاً للسلام. كما يدخل الأزرق مع الأحمر في العديد من أعلام الدول في العالم.
سياسياً، يقترن الأزرق بحركات واتجاهات سياسية بعينها، فأثناء ما عُرف بانتفاضة فيندي، نسبة إلى إقليم فيندي في فرنسا، إبان الثورة الفرنسية، التي قادت إلى اندفاع حرب أهلية بين الملكيين المناهضين للثورة والجمهوريين، وهي حرب استمرت ثلاث سنوات (من العام 1793 إلى العام 1796)، كان الأزرق يرمز إلى القُوى الجمهورية، في حين استُخدم الأبيض كرمز لمناهضي الثورة. في كندا وبريطانيا، يعدّ الأزرق اللون المعتمد للحزب المحافظ. أما في الولايات المتحدة، فالأزرق هو لون الحزب الديمقراطي، مقابل الأحمر، لون الحزب الجمهوري هناك.
- مصطلحات "زرقاء":
ثمة العديد من التعابير والمصطلحات المقترنة بالأزرق، فهناك "الدم الأزرق" (blue blood)، وهو مصطلح إنجليزي قديم مسجل منذ العام 1834 للإشارة إلى انحدار المرء من عائلة نبيلة أو أرستقراطية، وهو مصطلح مأخوذ من المصطلح الإسباني "سانغري أزول"، الذي يصف العائلة المالكة الإسبانية وطبقة النبلاء. بالطبع لا توجد علاقة بين المصطلح ولون الدم لدى طبقة النبلاء. من التفاسير التي تُعزى إلى سبب استخدام الأزرق في وصف المحتد، رواية تقول إنه في المجتمعات الأوروبية القديمة وفي القرون الوسطى، كانت عروق أنباء الطبقة المخملية، المائل لونها إلى الزرقة، بادية للعيان، من تحت بشرتهم التي لم تلوحها الشمس، بسبب نمط الحياة الذي يحميهم من التعرض للشمس، مقارنة بالفلاحين والمزارعين والعمال من ذوي البشرة المسمّرة أو المحمرة، جراء التعرض للشمس في الحقول أو في ميادين العمل المفتوحة. وثمة تفسير معنوي لوصف دم النبلاء بالأزرق، وهو الحقيقة أن الأزرق، كما أشرنا سابقاً يشير إلى الصرامة والجديّة، كما ينطوي على برود وجفاء، كناية عن الاستعلاء والترفع والأنفة.
نتوقف مع "الحقبة الزرقاء" أو " blue period" كتعبير فني يُستخدم للإشارة إلى سلسلة من اللوحات الفنية، التي نفذها الرسام الإسباني الشهير بابلو بيكاسو في الأعوام من 1901 إلى 1904، التي هيمن عليها اللون الأزرق أو الأزرق المائل إلى الخُضرة. وتعد هذه الحقبة أو الفترة من أشهر الحقب الفنية في تاريخ بيكاسو، ومن أهم الحقب الفنية الإبداعية في تاريخ الفن الحديث، حيث تجتمع فيها الرقّة الشعرية والحزن الشخضي، وأسهمت في تحول بيكاسو من الكلاسيكية إلى التجريدية.
في الجودو، وضمن التصنيف اللوني للأحزمة التي ترمز إلى الإنجاز والمستوى الذي بلغه الفرد في هذه الرياضة، فإن الحزام الأزرق يعد درجة أرفع من الحزام الأخضر. وهو يشير إلى زرقة السماء، فعند بلوغ الفرد مستوى رفيعاً في الفنون القتالية، عليه ألا يقنع بالمعرفة التي تبلغ قمة الشجرة فحسب، أي الحزام الأخضر، وإنما عليه أن يسعى إلى ما هو أبعد وأعلى من ذلك، فيطال علمه السماء.
أخيراً، قد يكون من الصعب أن نجمل كل التعابير التي يدخل فيها "الأزرق" كمفردة لها دلالاتها، لكننا نسوق هنا مصطلح "قمر أزرق" المتداول في المجتمعات الغربية. فالقمر الأزرق (Blue moon)، وهو البدر الذي يظهر في غير الوقت المحدد لظهوره، بحيث يكون قمراً زائداً في السنة الشمسية، التي تتألف من 12 بدراً. وعادة ما يظهر القمر الأزرق مرة كل عامين أو ثلاثة. في اللغة الإنجليزية، يُستخدم تعبير "قمر أزرق" للإشارة إلى ندرة وقوع حدث ما، لأن القمر الأزرق لا يظهر إلا نادراً. وكما نصف في ثقافتنا العربية الشخص الذي لا نلتقيه كثيراً بالبدر، الذي يُرى مرة في الشهر، فإن الشخص، أو حتى الحدث، ذا الإطلالة النادرة في الغرب يوصف بالقمر الأزرق.
وإذن، نخلص إلى أن الأزرق من الألوان ذات الشخصية متعددة الأهواء والأمزجة، ما يجعله يُصنّف من بين الألوان ذات الشأن.. هو لون صاحب شخصية قوية، يصعب علينا أن نتجاهل حضوره أو تأثيره الطاغي.. إن الأزرق يحوطنا، يؤطر كوننا، هو منا وفينا.
.. مقآل رآئع عن آللون الأزرق ..
يمكن القول إن الأزرق لون عالمي بامتياز، وهو اللون الأكثر شعبية والأكثر تفضيلاً لدى بني البشر، كما أنه اللون الذي يفضله الرجال تحديداً، أكثر من معظم الألوان الأخرى. إذا أردنا أن نضع لوناً نقيضاً للأزرق، من حيث معانيه ودلالاته، يمكننا اختيار الأحمر؛ فبقدر ما للأحمر من لون حار وشغوف وثائر وناري وهائج على الدوام، بقدر ما للأزرق من لون هادئ ومسالم وبارد. لذا ليس مستغرباً أن يتم استخدام الأحمر والأزرق في الإشارة إلى درجة حرارة الماء في الحنفيات ضمن ترميز عالمي متعارف عليه؛ حيث تشير البقعة الزرقاء في الحنفية إلى المياه الباردة، في حين تشير البقعة الحمراء إلى المياه الساخنة.
وفق التعريف العلمي، فإن الأزرق هو لون ناتج عن ضوء ذي طيف تهيمن عليه طاقة بطول موجي يتراوح بين 440 و490 (نانومتر)، وهو يعتبر أحد الألوان الأساسية الجمعية أو المضافة، أي اللون المنبعث من الضوء مباشرة، حيث يُستخدم إلى جانب الأحمر والأخضر في إنتاج ألوان أخرى.
حين نتحدث عن الأزرق، فإننا في الغالب نشير إلى الأزرق بكل تدرجاته. فتدرجات الأزرق ذات أهمية بالنظر إلى أن دلالات كل درجة لونية قد تختلف عن الأخرى؛ فهناك الأزرق العادي أو الأزرق الوسط، وهناك الأزرق الفاتح، الذي يُشار إليه أيضاً بالأزرق السماوي أو الأزرق اللازوردي، نسبة إلى حجر اللازوَرْد، أو "الأزرق الطفل" في بعض الثقافات، وهناك أيضاً الأزرق الداكن، الذي يعرف بالكُحلي أو الأزرق النيلي، وهناك الأزرق الفيروزي أو التركوازي، وهو الأزرق الذي يشوبه اخضرار. وما بين كل درجة زرقاء وأخرى، ثمة درجات بينية تكشف مزاجاً عريضاً ومتشبعاً لهذا اللون متعدّد الأبعاد والدلالات.
- مهدئ ومعالج:
لمّا كان اللون الأزرق هو لون السماء، التي تظلل عالمنا، ولون البحر، الذي يشي بالعمق واللااتساع اللانهائيين، من الطبيعي والحال هذه أن تكون للأزرق الغلبة في الكون، بالتالي أن يكون لوناً سائداً ومتسيِّداً، يُعتبر الأزرق لوناً مسالماً ومهدئاً، حيث يعمل على توليد مواد كيميائية تساعد الجسم على الاسترخاء. لذا تراه اللون المفضل في ديكور غرفة النوم، لأنه يخلق شعوراً بالراحة، ويسرّع في النوم. كذلك، يعتبر الأزرق من الألوان التي تحفز الإنتاج وتزيد الإبداع، وهذا ما يجعله لوناً أثيراً في مكاتب العمل، حيث يكون الموظفون أكثر إنتاجية. كما لوحظ أن الأزرق يعزز النشاط العضلي للجسم. ولعل هذا ما يجعله خياراً معتمداً في معظم القاعات الرياضية، بل أظهرت الدراسات أن رافعي الأثقال أكثر قدرة على رفع أثقال أكبر وزناً في غرف زرقاء، في السياق ذاته، ثبت أن الأزرق يعمل على تقليل معدل النبض، بالتالي يخفف من التوتر، كما يقلل من درجة حرارة الجسم. على مدى العقد المنصرم، توصل العديد من العلماء والباحثين إلى أن اللون الأزرق يُستخدم بنجاح في علاج العديد من المشكلات النفسية، من بينها الإدمان بأنواعه، واضطرابات الأكل، كالشره وفقدان الشهية العصبي، والعقم والاكتئاب.
في ما يتعلق بـ"العلاج بالأحجار الكريمة"، وهو نمط من العلاج الروحي والنفسي، ينطوي على خصائص ميتافيزيقية تنعكس على صحة الجسد، وله مريدون كثر، فإن الأحجار الزرقاء تصب في العديد من المنافع والمزايا المشار إليها أعلاه. فحجر الفيروز مثلاً يعد مثالياً لامتصاص المشاعر السلبية ومنحنا الحكمة وتعزيز قدراتنا الطبيعية، كما يُستخدم في حمايتنا من الشر المحدق بنا، خاصة لهجة الحسد، ويعزز الإبداع والمقدرة على التعبير الذاتي ويحقق التوازن العاطفي، كما يحارب الخوف والصداع والاكتئاب وفقدان الشهية المرضي. وهناك حجر اللازوَرْد، بلون زرقة مياه البحر الهادئة، حيث يُنصح بارتدائه أو التزين به لتهدئة النفس والتخفيف من التوتر. اللازورد يخفف أيضاً من الاكتئاب ويضفي الانسجام على علاقاتنا العاطفية، كما يعمل على تطهير الروح وتنقية الفكر، ويمنحنا الصبر والحدس والصدق والطيبة ويعزز مقدرتنا على الفهم. أما التوباز فيعزز الفردية والإبداع والثقة بالنفس، كما يساعد على إزالة الشكوك، والمضي قدماً في اتخاذ القرارات الحاسمة دون تردد. إلى ذلك، يساعد التوباز أيضاً على تصحيح سلوكيات غير مرغوب فيها، كما يطرد السلبية ويعزز الإيجابية، ويساعدنا على الاسترخاء والتخفف من الضغوط النفسية. ونتوقف مع الصوداليت، الذي يعزّز تقديرنا الذاتي واعتمادنا على النفس، كما يخفف من اضطراباتنا العاطفية. وهناك الأكوامارين أو "الزبرجد"، بلونه الأزرق الغامق بعض الشيء، الذي يعكس محبتنا لأصدقائنا وللناس من حولنا ويقوّي إيماننا بمثُل عليا ويساعدنا على التخلّص من أية مشاعر كئيبة، كما ننصح بالسافير الأزرق تلمساً للهدوء وسلام الروح واستقرار النفس.
- أمزجة ودرجات:
لعلّ اقتران الأزرق بالسماء وبأعماق البحار، أمر يسبغ على هذا اللون روحانية، ويضفي عليه صفة ماورائية. هذه الروحانية تُستثمر في التأمل. إذ غالباً ما يستخدم اللون الأزرق السماوي، الشبيه بلون السماء الصافية، لدخول الشخص حالة من النشوة، لأن هذا اللون يبدو وكأنه يشدّك إلى ما لا نهاية، إلى أعماقه الجوانية، بحيث تصل معه إلى عوالم غير مرئية. هذه الروحانية تجعل الأزرق يُستخدم في العديد من الثقافات والحضارات الإنسانية في طرد الأرواح الشريرة. وفي ثقافتنا العربية تحديداً ترانا نلجأ إلى الخرزة الزرقاء أو الفيروزية لدرء الحسد. يشاطرنا هذا الاعتقاد اليونانيون، فاللون الأزرق يطرد العين الحاسدة، وأولئك ممن يؤمنون بهذه الخرافة يرتدون سواراً أو قلادة زرقاء طلباً للحماية. بالنسبة إلى الروحانيين، الذين يزعمون أنهم قادرون على رؤية ما يُعرف بـ"الهالة" بعينهم الثالثة، أي بصيرتهم، فهم يعتقدون أن الشخص الذي تحيط به هالة زرقاء هو شخص روحاني بطبيعته، يهتم بالنشاط الاجتماعي، ويعمل في وظائف تتطلب انخراطاً اجتماعياً، مثل مرشد اجتماعي أو مستشار أو طبيب نفسي أو معلّم أو كاتب.
إن الأزرق يوحي بالثقة والولاء والإخلاص والالتزام. لذا يُنصح عند إجراء مقابلة لوظيفة ما ارتداء بزة زرقاء، ويفضل أن تكون زرقاء داكنة أي كحلية. وإذا كنا قد شبهنا الأزرق بالبحر، بكل حالاته وأمزجته، بسكونه وهيجانه، بسطحه وقاعه، وبالتالي تغيّر زرقته حسب المزاج، فإن درجات الأزرق لها مزاجها هي الأخرى، تماماً كالبحر، فإذا كان الأزرق العادي يشي بالهدوء واللطف والأمان، كالبحر الساكن، فإن الأزرق الداكن أو الكحلي، وهو الجانب الغامض من البحر، حين يكون هائجاً أو غامقاً، ينطوي على دلالات رمزية غاية في العمق؛ فهو يشي بالغموض، والحكمة، وقوة الشخصية، وتحكُّم المرء في أدواته وقدراته، كما يعكس نوعاً من الاكتفاء الروحي والنفسي. وبينما يوصف الأزرق العادي أو الفاتح بأنه لون التواصل مع الآخرين، فإن الكُحلي هو لون التواصل مع الذات الداخلية، حيث يحيل المرء إلى مزيد من الاستبطان والتأمل، ويعزز بصيرته.
في علم الاجتماع، يمثل الكُحلي المعرفة والقوة والسلطة والنزاهة والجدية والوقار والذكاء. كما يعكس الأزرق الداكن الثراء ولمسة التفوق. في الحضارات والثقافات الغربية، ليس من قبيل الصدفة أو العبث أن يرتدي أولئك الذين يحتلون رأس السلطة أو العاملون في مراكز القوى السياسية، كالرؤساء والوزراء والنّواب، بزات زرقاء داكنة أو كحلية (حتى وإن لم تعكس نزاهتهم بالضرورة). كذلك، ترتدي قوات حفظ السلام الدولية القبعات الزرقاء، كما يرتدي رجال الشرطة في أنحاء عديدة من العالم بزات زرقاء أو كحلية لأنها توحي بالأمن والأمان. نلاحظ أيضاً أن كابتن الطائرة في الغالب يرتدي بزة كحلية داكنة، لدلالات السلامة والأمان نفسها. في معظم الثقافات، يقترن اللون الأزرق السماوي بملابس الأطفال والرضع من الذكور. لذا يشار إلى هذا اللون في اللغة الإنجليزية مثلاً بـ"baby blue"، أي الأزرق الطفل. ومن غير المعروف سر اقتران الأزرق بالذكر، إلا أن بعض النظريات تذهب إلى أن الأزرق لون ذكوري، بمعنى أنه لون يفضله الرجال، بينما تؤكد نظريات اجتماعية أخرى أنه تاريخياً، وفي العديد من الثقافات، كان المولود الذكر هو الأثير، بالتالي يتم اختيار الأزرق في لباسه وفي اكسسواراته لحمايته من العين الحاسدة.
- أبعاد سلبية:
لكن الأزرق لا يخلو، شأنه في ذلك شأن معظم الألوان، من دلالات وأبعاد سلبية؛ فحين يطغى اللون الأزرق العادي في مكان أو بيئة ما، فإن هذا يولّد إحساساً بالبعد والجفاء والبرودة، وما يزرعه ذلك من قشعريرة في الجسد والروح. فالأزرق يقترن بالبرد، من هنا جاء تعبير من نوع "يزرقّ من البرد"، أو تميل البشرة إلى الازرقاق من شدة البرد.
وحين يكون الأزرق في مكان ما، غامقاً وداكناً أكثر من اللازم، فإنه يشيع جواً من الكآبة. لذا كثيراً ما يستخدم الأزرق الغامق كتعبير عن الليل والأفول.
في ثقافتنا العربية، فإن الأزرق ليس لوناً محبباً على الدوام. فإذا كانت الخرزة الزرقاء تُستخدم للوقاية من الحسد، فإن أسوأ الحسّاد، هم ذوو العيون الزرق، ومنهم جاء المثل الشعبي، الذي يصف الحاسد "عيون زرق وأسنان فرق". ولقد ورد اللون الأزرق في القرآن الكريم في موضع واحد في قوله تعالى: (يوم يُنفَخ في الصور ونحشُر المجرمين يومئذ زرقاً) (طه/ 102)، ولقد تم جعلهم زرق العيون لان الزرقة، هي أسوأ ألوان العين وأبغضها عند العرب، فكان "أزرق العين"، كتعبير، يُستخدم في وصف العدو. كذلك فإن "زرقا" تعني العمى، لأن العين تصاب بازرقاق عند العمى.
في العديد من الثقافات يرتبط الأزرق بالحزن والكآبة. في اللغة الإنجليزية، حين يقول أحدهم "I feel blue"، فهذا يعني "أشعر بالكآبة أو الحزن"، علماً بأن كلمة blue هنا تعني أزرق. تعود العلاقة بين الازرق والحزن إلى الميثولوجيا اليونانية؛ فالأزرق مرتبط بالمطر أو العواصف. وبحسب الأسطورة اليونانية كان "الإله زيوس" حين يكون حزيناً يجعل المطر يهطل، وحين يكون غاضباً فإنه يعمل على هبوب عاصفة. كذلك، يُقال إن الشعور بالكآبة والحزن واستخدام كلمة "أزرق" لوصف مشاعر الحزن مرتبطان بعادة قديمة لدى بعض البحارة؛ فإذا فقدت السفينة قبطانها أو أياً من أفراد طاقمها أثناء رحلتها، كانت ترفع أعلاماً زرقاء، كما يتم صبغ شريط أزرق حول محيط هيكلها الخارجي حين تعود إلى موطنها، كناية عن أنها في حالة حزن وحداد. وعلى سيرة الحداد، يعتبر الأزرق لون الحداد في المكسيك.
من هنا جاءت موسيقى "البلوز" (جمع كلمة "بلو" blue)، وهي نمط من الموسيقى ابتدعها الأميركيون من أصل إفريقي، تطورت من الأغاني التي كان السود يغنونها، في زمن العبودية، في الحقول والمزارع الأميركية، حيث كانت، ولا تزال، يغلب عليها طابع الحزن والحنين، معبرين من خلالها عن معاناتهم وشقائهم. حتى اليوم، لا تزال موسيقى "البلوز"، التي شهدت تطوراً وتنوعاً وانتشاراً عالمياً، تكسوها غلالة من النغمات الحزينة، الشبيهة بالأنين، أو التي تعبر عن شوق غير مكتمل وحب محبط.
كذلك، يعد الأزرق اللون الأقل إثارة للشهية، ربما لأنه الأقل حضوراً في ألوان الطعام في الطبيعة. وترى البشر يتجنّبون الأطعمة التي يميل لونها إلى الأزرق، لأن الازرقاق هنا مؤشر إلى السمّ، بالتالي فإن الطعام الأزرق قد يكون فاسداً أو مسموماً.
- في اللغة والسياسة:
تجدر الإشارة هنا إلى أنه في العديد من اللغات لا يوجد تمييز بين الأزرق والأخضر، حيث تُستخدم مفردة لغوية واحدة للونين؛ فعلى سبيل المثال، في اللغة الفيتنامية يُشار إلى كل من أوراق الشجر الخضراء والسماء الزرقاء بمفردة واحدة. فإذا ما وردت أوراق الشجر والسماء في السياق ذاته، يتم إضافة كلمة بحر أو محيط للمفردة للإشارة إلى أنه يُقصد بها اللون الأزرق، كما تضاف إليها عبارة ورقة شجر كناية عن اللون الأخضر المراد التعبير عنه. كذلك هناك حفنة لغات لا يوجد فيها فرق بين اللونين الأسود والكُحلي، فيتم الإشارة إليهما بالمفردة ذاتها.
من المعروف أن الأزرق يشكل قاسماً مشتركاً في أعلام العديد من الدول. فالأزرق الفاتح هو اللون الوطني لإيطاليا، كما يشكل مع الأبيض اللونين المعتمدين في أعلام دول عدة كاليونان والأرجنتين والسلفادور وفنلندا وغواتيمالا ونيكاراغوا والصومال، إضافة إلى علم الأمم المتحدة، الذي يعتمد الأزرق الفاتح أو السماوي مع كتابة بيضاء رمزاً للسلام. كما يدخل الأزرق مع الأحمر في العديد من أعلام الدول في العالم.
سياسياً، يقترن الأزرق بحركات واتجاهات سياسية بعينها، فأثناء ما عُرف بانتفاضة فيندي، نسبة إلى إقليم فيندي في فرنسا، إبان الثورة الفرنسية، التي قادت إلى اندفاع حرب أهلية بين الملكيين المناهضين للثورة والجمهوريين، وهي حرب استمرت ثلاث سنوات (من العام 1793 إلى العام 1796)، كان الأزرق يرمز إلى القُوى الجمهورية، في حين استُخدم الأبيض كرمز لمناهضي الثورة. في كندا وبريطانيا، يعدّ الأزرق اللون المعتمد للحزب المحافظ. أما في الولايات المتحدة، فالأزرق هو لون الحزب الديمقراطي، مقابل الأحمر، لون الحزب الجمهوري هناك.
- مصطلحات "زرقاء":
ثمة العديد من التعابير والمصطلحات المقترنة بالأزرق، فهناك "الدم الأزرق" (blue blood)، وهو مصطلح إنجليزي قديم مسجل منذ العام 1834 للإشارة إلى انحدار المرء من عائلة نبيلة أو أرستقراطية، وهو مصطلح مأخوذ من المصطلح الإسباني "سانغري أزول"، الذي يصف العائلة المالكة الإسبانية وطبقة النبلاء. بالطبع لا توجد علاقة بين المصطلح ولون الدم لدى طبقة النبلاء. من التفاسير التي تُعزى إلى سبب استخدام الأزرق في وصف المحتد، رواية تقول إنه في المجتمعات الأوروبية القديمة وفي القرون الوسطى، كانت عروق أنباء الطبقة المخملية، المائل لونها إلى الزرقة، بادية للعيان، من تحت بشرتهم التي لم تلوحها الشمس، بسبب نمط الحياة الذي يحميهم من التعرض للشمس، مقارنة بالفلاحين والمزارعين والعمال من ذوي البشرة المسمّرة أو المحمرة، جراء التعرض للشمس في الحقول أو في ميادين العمل المفتوحة. وثمة تفسير معنوي لوصف دم النبلاء بالأزرق، وهو الحقيقة أن الأزرق، كما أشرنا سابقاً يشير إلى الصرامة والجديّة، كما ينطوي على برود وجفاء، كناية عن الاستعلاء والترفع والأنفة.
نتوقف مع "الحقبة الزرقاء" أو " blue period" كتعبير فني يُستخدم للإشارة إلى سلسلة من اللوحات الفنية، التي نفذها الرسام الإسباني الشهير بابلو بيكاسو في الأعوام من 1901 إلى 1904، التي هيمن عليها اللون الأزرق أو الأزرق المائل إلى الخُضرة. وتعد هذه الحقبة أو الفترة من أشهر الحقب الفنية في تاريخ بيكاسو، ومن أهم الحقب الفنية الإبداعية في تاريخ الفن الحديث، حيث تجتمع فيها الرقّة الشعرية والحزن الشخضي، وأسهمت في تحول بيكاسو من الكلاسيكية إلى التجريدية.
في الجودو، وضمن التصنيف اللوني للأحزمة التي ترمز إلى الإنجاز والمستوى الذي بلغه الفرد في هذه الرياضة، فإن الحزام الأزرق يعد درجة أرفع من الحزام الأخضر. وهو يشير إلى زرقة السماء، فعند بلوغ الفرد مستوى رفيعاً في الفنون القتالية، عليه ألا يقنع بالمعرفة التي تبلغ قمة الشجرة فحسب، أي الحزام الأخضر، وإنما عليه أن يسعى إلى ما هو أبعد وأعلى من ذلك، فيطال علمه السماء.
أخيراً، قد يكون من الصعب أن نجمل كل التعابير التي يدخل فيها "الأزرق" كمفردة لها دلالاتها، لكننا نسوق هنا مصطلح "قمر أزرق" المتداول في المجتمعات الغربية. فالقمر الأزرق (Blue moon)، وهو البدر الذي يظهر في غير الوقت المحدد لظهوره، بحيث يكون قمراً زائداً في السنة الشمسية، التي تتألف من 12 بدراً. وعادة ما يظهر القمر الأزرق مرة كل عامين أو ثلاثة. في اللغة الإنجليزية، يُستخدم تعبير "قمر أزرق" للإشارة إلى ندرة وقوع حدث ما، لأن القمر الأزرق لا يظهر إلا نادراً. وكما نصف في ثقافتنا العربية الشخص الذي لا نلتقيه كثيراً بالبدر، الذي يُرى مرة في الشهر، فإن الشخص، أو حتى الحدث، ذا الإطلالة النادرة في الغرب يوصف بالقمر الأزرق.
وإذن، نخلص إلى أن الأزرق من الألوان ذات الشخصية متعددة الأهواء والأمزجة، ما يجعله يُصنّف من بين الألوان ذات الشأن.. هو لون صاحب شخصية قوية، يصعب علينا أن نتجاهل حضوره أو تأثيره الطاغي.. إن الأزرق يحوطنا، يؤطر كوننا، هو منا وفينا.