المنهاج
07 / 12 / 2009, 26 : 10 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المنفرد بالقدرة ، العظيم ، الذي لا يقدر أحدٌ منا قدره ، خلق الآدمي فشق سمعه بفضل منه ، وبفضل منه شق بصره ، اخبره أنه إن أمر تلك العين أن تنظر إلى الحرام أنها لن تعصيه ، وإن أمر تلك الأقدام أن تمشي إلى الحرام أنها لن تعصيه ، لكنه أخبر أنه مؤاخذُ بمثاقيل الذرة ، فليفعل ما يشاء ، وأخبره أنه إن عززه في هذه الدنيا وأكرمه وأعلى مكانه وقدره أنها لن تطول الحال على ما هي عليه ، بل سوف يوسد في نهاية أمره إلى حفرة ، وأخبر إذا تقطعت تلك الأشلاء وتمزقت تلك الأعضاء وتفتت تلك العظام وسالت تلك العيون على الخدود ، وماج في ذلك اللحد وعاث الدود ، أنها ليست النهاية ، بل لها آمر لا يرد أمره فسوف يعيدها كما بدأها أول مرة ليسأله عن الكلم والنظرة ، لأنه ما خلقه عبثا فلن يتركه سدا ... وأصلي وأسلم على من رفع الله في العالمين ذكره ، محمد صلوات ربي وسلامه عليه ...
أما بعد ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
إخواني :
في بداية هذا اللقاء ، دعونا ندخل هذا اللقاء بمثالٍ بسيط ،،، تخيلوا لو أني وضعتُ هدفاً هناك ، ثم أعطيت كل واحد من هؤلاء الذين أنعم الله عليهم بنعمة النظر ثلاثة أسهم ، ثم جاء المبصر الأول وهو ينظر إلى الهدف ، فأخرج ذلك السهم ، ووضعه في كبد القوس ، ونحن ننظر إليه ، فإذا به مفتول العضلات يشد ذلك الوتر ثم يطلق إذا به بعيداً عن الهدف ، وبينما ذلك الهدف لم يمسه سهم واحد ، إذا بذلك الأعمى هناك نسمع قرع العصا على الأرض ، جاء يهد الخطى ، لا يرى غير الظلام ، فإذا به يتحسس ويأخذ من السهام ، ثم ينطلق هناك في تلك الزاوية الصعبة فيضع العصا ، ويمسك باليسرى لك القوس ، ويأخذ باليمنى ذلك السهم ، ثم يضعه في كبد القوس ، فإذا به يشد ذلك الوتر فإذا به يطلق ، فيصيب كأحسن ما تكون الإصابه ، غطى السكوت المكان ، لي ولك أن نتساءل ونراجع أنفسنا ، ونقف معها وقفة حق ، أعمى أصاب هدفاً أخطأه المبصرون ، إي وربي ، يوم أن أخطأت أنا وأنت أصاب هو !!
ذاك أعمى ما رأى غير الظلام
لا رأى شمساً ولا عرف القمر
يسمع الأشياء يجهل شكلها
كيف يبدوا الطير أو كيف الشجر
نزل ذلك الملك فكتب الله جلّ في علاه أن هذا الجنين لا يرى شيئاً إلا الظلام حتى أن يوسد قبره هناك ، بدأ يحبوا لكنه يكبوا ، لا يرى الجدران ولا يتقيها ، بدأ يقف ، سمع أصوات الأطفال يلعبون ويركضون ظن أنه يرى ، نسي أنه أعمى فانطلق فإذا به يكبوا خاراً على وجهه ، فإذا به يكل ويمل فانقلب راجعاً إلى البيت ، كبر ذلك الأعمى ، واشتد عوده ، سمع أن هناك ثمة رجل يقال له محمد ابن عبد الله يكلم الناس أنه هناك إله خالق بارئ مصور هو الذي رفع السماء ، لكن الأعمى ما رأى السماء ، هو الذي بسط الأرض ، لكن هذا الأعمى ما رأى الأرض ، هو الذي نصب الجبال ، ما رأى الجبال ، فقالوا له هو الذي شق سمعك الذي تسمع به ، هو الذي حرك أقدامك التي تتحرك بها ، فذهب بتلك الأقدام إلى محمد عليه الصلاة والسلام ، وقف أمامه محمد ، فبما يكلمه محمد صلوات ربي وسلامه عليه ؟ بما يبدأ وأي كلام يقول ؟ فإذا بذلك الأعمى منتصباً واقفاً عند رسول الله يسمع قول الله جلّ وعلا : ( إن الدين عند الله الإسلام ) فإذا بذلك الأعمى بعد أن اهتزت أركانه ، وارتعدت فرائصه ، ووجل قلبه ، واقشعر جلده ن فإذا به يرفع مباشرة تلك السبابة التي ما رآها في حياته ، يرفعها إلى السماء ، أشهد أن لا إله إلا الله ، دخل ذلك الدين في قلب لك الاعمى ، فانكشفت تلك الغطاءات وتكل الحجب فأبصر ذلك القلب ، ( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ) ما قال ربي أفمن شرح الله عينه للإسلام ، ( أفمن شرح الله صدره ) فشرح ذلك الصدر ، عاد ذلك الأعمى وسمع الخبر وشاع الأمر ، هل تظن أن كفار قريش قالوا : هذا مسكين أعمى اتركوه ، لا وربي ، قالوا وما بقي إذا ذلك الأعمى الضعيف ويتجرأ !! والله لا جرم لنجعلنه عبرة للأقوياء والضعفاء ، يقول : أخذوني إلى مكان لا أعرفه ، فجردوني من ثيابي وقيدوني ، وضع السلاسل والأغلال في قدميه ، يقول : وبينما أنا واقف ـ تخيل حاله واقف والأيادي مقيدة والأقدام مقيدة ، ثم بلا سابق إنذار ولا إخبار يجرونه حتى يندك رأسه على الحصى ، ثم يسحبونه حتى تأكل الأحجار من ظهره ، جاء بجروح تثعب دما ، ودماء تنزف ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا ) لكن ما غيرتهم المتغيرات ، ولا هزتهم الشهوات ، فاطمئن ابن أم مكتوم على أن الطريق واضح ، وعلى أن هذه الجروح سوف تضمد هناك ، فرجع ، وعذب ، ثم جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام جالساً في ذلك المجلس ، كل الصحابة ينظرون إلى محمد عليه الصلاة والسلام ويسمعون عنه ، ابن أم مكتوم لا يرى مجرد سماع فقط ، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه : ( أن الله جلّ وعلا يقول : أعددت لعبادي الصالحين ) فإذا بابن أم مكتوم يقترب ويسمع ، يحلل في ذلك العقل ، يقول الصاحين ما قال المبصرين يعني قد أكون أنا منهم ، ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ) لا تسل ذلك القلب الذي كاد أن يطير من الفرح لما سمع مالا عين رأت ، يعني قال في نفسه هؤلاء المبصرون ما رأوا تلك الجنة إذاً لم يفتني شيء ، فذهب ، الموت يلوح بين ناظريه في كل حين لكنه ما نسي أن رب العالمين الرحمن الرحيم يراه في كل حين ، مر عليه النبي عليه الصلاة والسلام وهو مقيد يعذب فأسمعه كلاماً ضمد به جراحه ، قال له : ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) يحلل الآيات ، فإذا به يقول : ( أحسب الناس أن يتركوا )، أنا من الناس ، أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) أنا مؤمن ، فإذاً لن أترك والطريق على ما يرام وأنت سائر هناك إلى ذلك الهدف الذي لم يره المبصرون ، ما ألذ تلك الحياة ، جلس يوماً عند رسول الله ، يقول له النبي عليه الصلاة والسلام ولمن معه من الصحابة رضوان الله عليهم : ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) صحيح الحديث هذا يمر علي وعليك ، صحيح إيه إن شاء الله بنتعلم بعدين ، بإذن الله الأمور إن شاء الله زينة لكن مشغولين شوي في الدنيا ، سنتعلم هناك ، إذا دفنا قلنا يا رب ارجعون لعلنا نحفظ القرآن ، نعمل صالحاً فيما تركنا ، المصحف في كل مكان لكن تركناه ، تعرف ماذا فعل هذا الحديث بابن أم مكتوم ، بدأ يحلل في الحديث ، قال النبي عليه الصلاة والسلام ( خيركم ) يعني قد لا أدخل الجنة فقط ، بل من أفضل من يدخلها ، فإذا بذلك الحديث فرصة لا تفوت ، ليست صفقة بمليون أتركها إذا مت ، فجاء عند النبي عليه الصلاة والسلام في وقت ما عند النبي عليه الصلاة والسلام أحد من الصحابة ، في وقت الظهيرة يجر خطاه ، يسأل ، أين محمد ، قالوا امضِ ، والله جلّ وعلا يره ، أين رسول الله ، قالوا : امضِ ، أين رسول الله ؟ امض ، حتى قالوا هو هناك امضِ أمامك ، فكأنه سمع صوت رسول الله ، إي والله صوت النبي ، يكلم أبا جهل ويكلم شيبة ويكلم عتبة ، لأنه يرى هؤلاء تحت السياط ، وتحت العذاب والشمس قد قطعت أجسادهم يريد أرحم الخلق بالخلق صلوات ربي وسلامه عليه يريد أن يكفوا عذابهم عن أصحابه ، فجاء ابن أم مكتوم قال : السلام عليك يا رسول الله ، علمني مما علمك الله ، أنت قلت لنا أمس أن مت تعلم القرآن وعلمه هو خير هذه الأمة ، وهو خير أصحابك ، علمني يا رسول الله ، ظن أن النبي عليه الصلاة والسلام ، التفت له وابتسم لأنه هو الذي دعاهم لهذا وهم أتباعه ، لكن والله ما تبسم له النبي عليه الصلاة والسلام ، كان مشغول يأخذ من هذا ويتكلم مع هذا ثم يقاطع هذا ، فالتفت النبي عليه الصلاة والسلام وعبس في وجه ذلك الأعمى ، ذلك الأعمى ما رآه ن ما زال متبسما ينتظر كلام النبي عليه الصلاة والسلام له ، المشهد هذا ما رآه احد إلا الله ، ما رآه أحد من الصحابة ، لكن في هذه اللحظات وهذه الثواني لما عبس النبي عليه الصلاة والسلام في وجه ذلك الأعمى تحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم ، لذلك المشهد فقط اهتزت السموات ، اهتزت سبع سموات ما بقي ملك مقرب إلا وخر للأذقان ساجدا ، لهذا الموقف ، فتكلم الله وجبريل ساجد عليه السلام ن واسرافيل ساجد عليه السلام ، فتكلم ربي جلّ في علاه ، لا يرضى ، فقال : ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) فيرفع رأسه جبريل فيأخذ ست عشرة آيه فيها عتاب من الخلاق رب الأرباب سبحانه ، إلى محمد صلوات ري وسلامه على محمد ، ويقطع بها جبريل مئات الأعوام كلمح البصر ، يقول عليه الصلاة والسلام : ( لما انقلبت عائد إلى بيتي إذا بجبريل يتنزل على محمد ويقول له ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يتزكى أو يتذكر فتنفعه الذكرى ) علها تنفعه تلك الآيات وذلك السهم فيصيب به أعلى الجنان ، ينزل أعظم ملك في أعظم رسول في أعظم أعمى ، هل رأيت في حياتك أي أعمى يركض ؟ والله ما رأينا ، لكن ذلك ال‘مى والله ركض ، الأعمى قبل أن يسير يضرب ضربةً عن يمينه وأخرى عن شماله وأخرى من أمامه ، ثم يخطوا خطوةً واحدة ، هذا الأعمى ، لا ،لم يصفه لي ولك رسول الله عليه الصلاة والسلام ، والله بل وصفه رب الرسول سبحانه جلّ في علاه ، يقول عنه واصفاً لأنه هو الذي يراه وهو خارج من بيته يريد أن يتقرب إلى الله : ( وأما من جاءك ) يمشي ، لا وربي ما كان يمشي ، ( وأما من جاءك يسعى وهو يخشى ) ما لذي جعله يسعى ، لأنه سمع : ( وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ) يعني ننجي المتقين الخائفين منا ، فجاء يسعى ، وهو يخشى ،
يقول الصحابة : والله ما جاء بعد نزول هذه الآية ذلك الأعمى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلا وأكرمه لا في عشية ولا في ضحاها ، إلا وقربه النبي عليه الصلاة والسلام وقال ( مرحباً بالذي عاتبني ربي من أجله )
والله الذي لا إله إلا هو ، أني أتفق معك أن بلال كان أشدهم عذابا جسديا ، وأن عمار أشدهم عذاباً نفسيا ، لأنه أمه معه ، بلال صحيح يعذب ، لكنه لا يلتفت ثم يرى أمه تجر أمامه ، لا يرى رأس أمه وهو تدكدكه الأحجار ، لا يرى السياط وهي تنزل على وجه أمه ، فكان عماريعذب عذاب نفسي ، يقتلونه مرتين ، و بلال أشدهم عذابا جسديا ، لكن عبدالله ابن أم مكتوم كان يعذب أشد من عذابهما من ناحية ، تعرف لما ؟ إذا جاء الرجل من قريش وانتصب فوق رأس بلال ، فرفع بلال إليه بصره ، وإذا بذلك السوط يرتفع بلال يغمض عينيه وينأى بوجهه ولو كان مقيد ، عمار كذلك ، أم عمار كذلك ، ابن أم مكتوم ، لا ، كان يأتي الرجل من قريش فيسمع خطواته ، ثم يقف ذلك الرجل ، فلا يحس ابن أم مكتوم بذاك الذي انتصب فوق رأسه ورفع سوطه إلى الأعلى ، ابن أم مكتوم لا يعلم ما زالت العينان العمي مفتوحة فإذا بذلك الرجل ينزل على ابن أم مكتوم حتى يخط ذلك السوط في وجهه ،
هددوه قيدوه وما انثنى
أخذوه عذبوه ما نكسر
ابن أم مكتوم إذا انقلب كفار قريش بعد التعذيب ، حاله حاله ، بلال يعلم أنهم قد ذهبوا والدماء تنزف لكنه يرتاح لأنه رآهم قد ولوا الأدبار ، عمار يرتاح يكلم أمه ، ابن أم مكتوم ، لا ، يتحفز في كل لحظة أن يخط في وجهه سوط آخر ، يغمض عينيه فجأة لأنه ما رآهم يوم أن أقبلوا فلا يعرف أنهم قد ذهبوا ، ( وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم ) كفار قريش ( وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ) ما ذا يقصد الله جل وعلا بالجبال هنا !! يظن الكثير أنها الجبال الراسيات ، لا ، يقول أهل التفسير : أن الله جل وعلا يقصد بالجبال ذلك الجبل الأعمى ابن أم مكتوم الذي ما تزلزل يوم أن عذب كما تزلزلنا ، ـ والله يا ربي فتن وش نسوي ـ ، يقصد بالجبال ذلك الحبشي الجبل الشامخ يعذب ولا يتزلزل ، أحد أحد ، عمار بن ياسر تقتل أمه أمامه ما قال ما أريد هذا الدين ( وما يلقاها إلا الذين صبروا ) نحن عرفنا وسمعنا بآذاننا ، هو سمع بقلبه ، فصبر ، والله ما زاده ذلك إلا إيماناً وتسليما ،
زميل لي في المستشفى كان يعاكس النساء ويؤذي محارم الله ثم إذا به يحجز لمدة أربع وعشرين ساعة في أحد أقسام الشرطة فيقول : جلست ومعي واحد نفس المشكلة ، معاكس ، يقول فجلست أسولف أنا وإياه ، فقال لي : يا أخي والله العظيم إن ها العالم يمتحنونه !! يا خي وش هالتعقيد ، والله الواحد إنه يفكر بجد إنه يتنصر .. ( يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين )
ابن أم مكتوم جاء عند النبي عليه الصلاة والسلام فسمع ـ ولا يفوت تلك الأخبار ـ يقول الصحابة والله إنه كان يأخذ نصيبه ونصيب غيره من القرآن ، فجاء وسمع النبي عليه الصلاة والسلام قد أذن له بالهجرة ، فأذن إلى مصعب بن عمير أن يرسل داعية في المدينة ، لكن ابن أم مكتوم يريد أن يعرف ما للداعية إذا سافر وترك أهله ؟ فيسمع آيات تنصت لها الأرض والسموات ، ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) من أحسن !! يعني قد أكون أنا أحسن واحد !! قال : يا رسول الله إإذن لي أن أذهب مع مصعب ، أنا أدعوا إلى الله ، فإذا بالنبي عليه الصلاة والسلام يأذن له ، انتقل سعيداً ما شياً لا تسل عن فرح قلبه ، ولا تسل عن الجنان التي أبصرها ذلك القلب ، جاء يسعى ، قلبه يرى الجنان ، والفؤاد إذا رأى قهر النظر ، مشا من مكة إلى المدينة يريد ذاك السهم الذي ذكر له هناك ، يقول البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه : أول من قدم إلينا مصعب رضي الله تعالى عنه وكان معه الأعمى ابن أم مكتوم رضي الله عنهما ، يقول المؤرخون : فصار يختلفان على الناس يعلمانهم القرآن ، ويدعوانهم إلى الله جل في علاه ،
ولي معك وقفة هنا :
ذلك الأعمى يسير لا بطائرة ، ولا بسيارة ، يقطعها لمدة أشهر على الأقدام ، يريد رضا الله العليم العلام ، سبحانه ، ومن الناس من يسافر بنعم الله تعالى إلى الحرام وإلى ما يغضب ربي جلّ في علاه ،
دخلت يوم من الأيام في المستشفى على مريض ، لم يبلغ الثلاثين بعد ، أتيت فإذا به مشلول الأطراف ، لا يتحرك فيه إلا سبع مفاصل في الرقبة ، ومفصل الفك ، يتنفس عن طريق أنبوب وفتحة فتحت له في الحنجرة ، وضعت السماعة على صدره فإذا بها أنفاس لا تكاد أن تخرج ولا تدخل ، فنزعت السماعة ، وقلت له : يعني إن شاء الله إنك أحسن اليوم ؟؟ فبدأ يحرك الشفاه ، كأنه يقول إيه إن شاء الله إني أحسن ، لكن والله ما خرج ولا حرف ، لأنه يحرك الشفاه ، والهواء يخرج مع الحنجرة قبل أن يصل إلى الحبال الصوتية ، بدأ يحاول أن يعبر وأنا أكلمه ، وهو يحاول أن يرد ولا أسمعُ شيئا وه يسمعني ، فقلت له : إن الله سبحانه وتعالى لا يحتاج أن يحرك هؤلاء الملايين ويطرحك على هذا السرير الأبيض ، لكن الله يحبك ، يريد أن كل ما تحرك عقرب الثواني وضربت ثانية إذا بالملك هنا يسجل لك حسنة والآخر يمحوا سيئة ، فما أعظم قدرك عند الله تعالى !!
نعمة ، إذا أحب الله عبداً ابتلاه ، ثم انطلق ذلك اللسان بكلمات والله ما أعددت لها عدة ولا حسبت لها حساب ، قلت له : هل تظن أن كل واحد أنعم الله عليه وحركه يعني يحبه الله جل وعلا !! حرك فرعون والآن مخلد في النار ، كم واحد الآن الله جل وعلا يحرك رجليه ، وما ترك مرقصاً في العالم إلا وراح يرقص فيه ، ولا ترك فتاة إلا تعرف عليها ، والله يوم أن قلت كم واحد أعطاه الله النعم وما ترك مرقص في العالم إلا راح يرقص فيه قسما بربي بدأت أنظر إليه وإذا بالوجه يتغير ، بدأت تتحرك تلك الأقدام ، وتلك الأيادي تهتز ، ليس لأن الله حرك الأعصاب ، لا والله ، وليس لأن الله أمر الأقدام أن تطيعه مرة أخرى ، لا والله ، لكنه بدأ ينشج ويشهق من عضلات الرقبة تلك من شدة نشيجه صار يهتز جسمه كله ، والله إن البلغم أعزكم الله يخرج من الحلق من الفتحة ، بدأت الأعين تدمع ، ثم أشوف أخوه عنده دمعت عيونه وطلع مباشرة من الغرفة ، أنا ما أدري مالذي حصل !! هذا يهتز وينشج والآخر يبكي ويخرج من الغرفة ! المهم ، إذا بالأخ هناك يناديني ، أنت تعال ، فخرجت له ، وإذا به يبكي ويكفكف دموعه ، قال يا أخي حرام عليك !! حرام عليك تتكلم عليه !! قال : يا أخي شفت هذا اللي تتكلم عليه أنت ، ثم بكى ، أقسم بالله هذا الشاب والله من أترف الأسر ، قال هذا الي تكلمت عليه يصير أخوي أنا ، والله ما كان يقعد ثلاث شهور في المملكة ، وهذا اللي تشوف وتكلمت عليه والله كان أحسن واحد يرقص في الرياض ، سبحان ربي ، جلّ في علاه ، ( أم يحسبون أن لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون ) سبحان الله ، مالذي جعل تلك الكلمات تنساق على لساني ، والله لا أدري لكن الله يدري ، مباشرة ذهبت أخذت الملف ، فتحت ، فإذا بتقرير الإسعاف يقول : أن هذا الشاب فلان الفلاني عمره سبع وعشرين سنة يوم أن أصابه الحادث وجد في أحد الطرق السريعة على أطراف مدينة الرياض الساعة الرابعة فجرا قد انقلبت فيه السيارة فوجد مشلولا شلل رباعي مغمى عليه وهو سكران ، مخمور ، فجاءه حادث الساعة الرابعة وقت نزول ربي جلّ في علاه ، أخذت الإشاعات ودمعت العين والله رغماً عني ، ولو رآها أي شخص سوف يبكي لأن العمود الفقري للضرورة عندي وعندك مستقيم لأجل هذا أنت تقوم وتقعد متى أردت ، والله العمود الفقري عنده كان مستقيما ، في الماضي أقامه الله سبع وعشرين سنة لكنه الآن والله قد فصفص ، ترى فقره هنا وفقره هنا ، ولا فقرة بجانب أختها ، ثم الأضلاع ترى كسور في الأضلاع ، داخلة على العمود الفقري في الإشاعة ، سبحان ربي جلّ في علاه ،
هذا يسافر للدعوة على الأقدام ... وهذا يسافر بالطائرة وبنعم الله إلى الحرام ..
ذا يسافر للجهاد بعزة
طالب الحور دماه هي المهر
وذا يسافر للخنا وللزنا
ظن في الدنيا خلود ومقر
( إن سعيكم لشتى ) منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ) سوف تلاقيه ، سافر حيث شئت ، وافعل ما شئت ، ...
جاء ذلك الأعمى بعد هذه الرحلة الدعوية للقاء محمد عليه الصلاة والسلام ، فرح بذلك اللقاء ، فجلس يسمع ، إذ بالنبي عليه الصلاة والسلام يفسر لهم آيات ( وإذا الجحيم سعرت ) فقال لهم عن ذلك اليوم الذي سوف أقفه أنا وأنت ، ذلك اليوم الذي مقداره خمسين ألف سنة ، ذابت قلوب الصحابة ، ذُكر الله وذُكرت آياته فوجلت قلوبهم ، ابن أم مكتوم يسمع أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول : وتدنوا الشمس في ذلك اليوم قدر ميل ، هي قطعته وهي على ذلك البعد فكيف يتحمل إذا اقتربت قدر ميل ؟ يعلمون بقلوبهم أن هذا الوعد حق يوم أن علمت أنا وأنت بشفاهنا وأقوالنا إلا من رحم الله ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : فإذا بالعرق يبلغ من الناس مبلغا ، منهم من إلى حقويه ومنهم من إلى ركبتيه ، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما ، ولا تسل عن قلب ذلك الأعمى الذي كاد أن يذوب في صدره ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: والمؤذنون هم أطول الناس أعناقا ) قال أؤذن يا رسول الله ، يقولون أنه كان يسابق بلال على الآذان يتمنى أن يرتفع ذلك العنق عن العرق ،
فهل فكرت كيف أنجوا أنا وأنت ؟!!
( ولو أنهم فعلوا ما يوعون به ) لو أني وأنت كل ما سمعنا آية بدأنا نخطط كيف نأخذها ، كيف نستفيد منها ، كيف ننجو من هذا العذاب ( ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا ، وإذا لآتيناهم من لدنا أجراً عظيما ، ولهديناهم صراطاً مستقيما ) لو أنهم فعلوا ما يوعظون به ، لكن كم فعلت أنا وأنت مما نوعظ كل يوم ، جاء يوم من الأيام واسمع إلى هذا الحديث في البخاري ومسلم ، يقول النبي عليه الصلاة والسلام في رمضان في الحديث الذي معناه : ( إذا أذن بلال الفجر فلا تمسكوا ـ لأنه يؤذن في غلس ـ لكن إذا أذن ابن أم مكتوم فأمسكوا ) سبحان الله ، كيف كان يعرف ابن أم مكتوم ، ما كان عندهم ساعات ، ولا منبهات ، كيف ؟؟ قد يقول قائل إيه يا أخي سهلة ، ترى المسألة ، يرى الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، طيب ذالك أعمى ما يرى ، يقولون : أنه كان يقف يتوخى الفجر فلا يخطئه ، سبحان من علق تلك القلوب بمن فوق العرش سبحانه ، هذه قصته مع الآذان ،
واسمع إلى قصة وقفتها وعايشتها بنفسي ،
هذه قصة لزميل لي ، والله كان هذا الزميل لا يصلي إلا إذا كان معي خجلاً مني لا خجلاً من ربه سبحانه ، وإذا كان في البيت فعلى كيفه متى ما قام صلى ، وإذا كان مشغول لا يصلي ، حياته كانت نوم في النهار وسهر في الليل على الأفلام والحرام ، في أحد الأيام ، كان سهران على مطربته المفضلة التي كان يدمن سماعها قبل أن ينام ، فإذا بصوت يملأ المكان ، إذ به صوت الآذان ، يقول : والله للتو مغمض عيوني ، حسيت والله كأن الآذان ساعة ، يقول انفلت لساني مني فقلت : ما هو وقته هذا الإزعاج ، يقول : يا ليته لم ينفلت مني ، لأني دفعت ثمن تلك الكلمات ، والله كان ثمنها غالٍ جدا ، يقول : شعرت بعدها بطنين خفيف في أذني لم أعبه به ، ثم نمت ، ولا صليت ، نمت ، لكن الذي يسمع السر وأخفى و سمعني لا ينام سبحانه ، ( أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون ) استيقظت كعادتي نزلتُ إلى أهلي ، أنظر إليهم يتكلمون ، لكن والله ما أسمع ما يقولون ، فقلت لهم مازحاً : وش فيكم أنتم تقولون سر !! ، ارفعوا أصواتكم ، يقول مازحاً لا زلت أعبث ، لم أستوعب بعد أن الأمر قد قضي في السماء ، بأن يسلب ذلك الضعيف السمع ، وأني لن أسمع كلمة بعد ذلك الآذان ، فو الله أيقنت بعدها أن الله أكبر ، ...
جاءني هذا الزميل ، بشكل مختلف ، وهو قد انقطع عني ، جاء بشكل مختلف تماما ومعه أوراق ، استغربت يطلع لي الأوراق وشكله متغير ، أخرج لي التقرير الذي قد ثبت فيه أنه قد فقد حاسة السمع تماماً وأنه ليس فيه أي أمل لسماعه مرة أخرى ، إلا أن يشاء الله ، وتجرى له عملية زراعة قوقعة في الأذن ، اليمنى فقط وهذه العملية تكلف مئة ألف ريال ، حكى لي عن معاناته خلال سنتين ، يقول : والله كل أصدقائي تركوني ، وقد كنت أخطط وأسافر معهم ، وأقضي وقتي كله معهم ، تركوني كلهم ، ولا عاد منهم أحد يزورني صرت ما أطلع من البيت ، يقول غصب علي ما هو كيفي ، شعرت وقتها بضيق لا يعلمه إلا الله تعالى ، وحزن شديد ، حتى والله فكرت أن أنتحر ، قد لا تصدقني لكن أقسم بالله لقد تمنيت أني مولود أصم ، على الأقل يكون عندي أصدقاء يفهموني بالإشارة وأفهمهم بالإشارة ، صرت جالس أقرأ قرآن و أبكتني آية ( يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ) فأصبح هذا حالي ، صرت أدع الله وأنا واقف ، وقبل أن أنام ، يا رب يا رب ، يقول : عندي مشكلة الحين ، أبسألك !! في الصلاة ، متى أقول آمين !!، يقول كنت ألصق مرفقي بمرفق الذي بجانبي حتى إذا قام أعلم أنه قال ، الله أكبر ، بدأت أحس يقيناً أن الله تعالى عظيم ، وأنه سمعني يوم لم يسمعني أحد ، بحمد الله جلّ وعلا ، بعد هذه المعاناة ، زرعت له قوقعه في مستشفى التخصصي بالرياض , وبحمد الله نجحت العملية ...
أخي ، وأخيتي ،،،
متى نعرف ونحس بنعم الله جلّ وعلا علينا ، هذا فقد حاسة واحدة فقط ، ولم يطق حياته بدونها ، ( إن الإنسان خلق هلوعا ، إذا مسه الشر جزوعا ، وإذا مسه الخير منوعا ) هذا استدركه الله برحمته وعرفه قدره ، فأسأل الله أن يتوب علينا وعليه وأن يقبله من التائبين ،،،
ولكن ماذا عن أولئك المساكين ، الذين يعصون الله بالليل والنهار ، ولا يخافون موتاً بغتة ، أو مرضاً فجأة ، ( أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون ، أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون ، أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ) فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ، اخواني ، تعالوا وانظروا لذلك الأعمى حينما جاء والحديث في صحيح مسلم ، وفيما معناه ،
جاء ذلك الأعمى يجر الخطى إلى محمد عليه الصلاة والسلام ، ووالله ما جاء ، إلا لأنه عنده أمر مهم جدا ، جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، فقال : يا رسول الله ، ليس لي قائد يقودني ، فهل لي من رخصة أصلي في البيت ، هو ما قال ذلك عبثا ، قد يكون لدغ ، تعثر ، سقط ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أرحم الخلق بالخلق ، نعم ) عندك رخصة ، ما قال أصلي الساعة سبع مع الدوام ، قال أصلي أول ما يؤذن لكن في البيت ، مالذي جعل محمد عليه الصلاة والسلام يوم أن استدار ذلك الأعمى رضي الله تعالى عنه ، يناديه ، هل تسمع النداء ـ تسمعه يقول الله أكبر حي على الفلاح ، ذلك الأعمى لا يكذب هو يريد الجنة ، قال نعم يا رسول الله قال : ( فأجب لا أجد لك رخصة ) هل تظن أن ابن أم مكتوم قال : طيب يا رسول الله ، دبروا لنا أحد يودينا ، ولا جلس يجادل ، لا والله ، لأنه يريد وهو خارج أن يأخذ معه سهم إلى الجنة ، سبحان الله ، وترى الناس هنا ، آخر شيء يفكرون فيه الصلاة ، ،،يتبع في الجزء الثاني
الحمد لله المنفرد بالقدرة ، العظيم ، الذي لا يقدر أحدٌ منا قدره ، خلق الآدمي فشق سمعه بفضل منه ، وبفضل منه شق بصره ، اخبره أنه إن أمر تلك العين أن تنظر إلى الحرام أنها لن تعصيه ، وإن أمر تلك الأقدام أن تمشي إلى الحرام أنها لن تعصيه ، لكنه أخبر أنه مؤاخذُ بمثاقيل الذرة ، فليفعل ما يشاء ، وأخبره أنه إن عززه في هذه الدنيا وأكرمه وأعلى مكانه وقدره أنها لن تطول الحال على ما هي عليه ، بل سوف يوسد في نهاية أمره إلى حفرة ، وأخبر إذا تقطعت تلك الأشلاء وتمزقت تلك الأعضاء وتفتت تلك العظام وسالت تلك العيون على الخدود ، وماج في ذلك اللحد وعاث الدود ، أنها ليست النهاية ، بل لها آمر لا يرد أمره فسوف يعيدها كما بدأها أول مرة ليسأله عن الكلم والنظرة ، لأنه ما خلقه عبثا فلن يتركه سدا ... وأصلي وأسلم على من رفع الله في العالمين ذكره ، محمد صلوات ربي وسلامه عليه ...
أما بعد ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
إخواني :
في بداية هذا اللقاء ، دعونا ندخل هذا اللقاء بمثالٍ بسيط ،،، تخيلوا لو أني وضعتُ هدفاً هناك ، ثم أعطيت كل واحد من هؤلاء الذين أنعم الله عليهم بنعمة النظر ثلاثة أسهم ، ثم جاء المبصر الأول وهو ينظر إلى الهدف ، فأخرج ذلك السهم ، ووضعه في كبد القوس ، ونحن ننظر إليه ، فإذا به مفتول العضلات يشد ذلك الوتر ثم يطلق إذا به بعيداً عن الهدف ، وبينما ذلك الهدف لم يمسه سهم واحد ، إذا بذلك الأعمى هناك نسمع قرع العصا على الأرض ، جاء يهد الخطى ، لا يرى غير الظلام ، فإذا به يتحسس ويأخذ من السهام ، ثم ينطلق هناك في تلك الزاوية الصعبة فيضع العصا ، ويمسك باليسرى لك القوس ، ويأخذ باليمنى ذلك السهم ، ثم يضعه في كبد القوس ، فإذا به يشد ذلك الوتر فإذا به يطلق ، فيصيب كأحسن ما تكون الإصابه ، غطى السكوت المكان ، لي ولك أن نتساءل ونراجع أنفسنا ، ونقف معها وقفة حق ، أعمى أصاب هدفاً أخطأه المبصرون ، إي وربي ، يوم أن أخطأت أنا وأنت أصاب هو !!
ذاك أعمى ما رأى غير الظلام
لا رأى شمساً ولا عرف القمر
يسمع الأشياء يجهل شكلها
كيف يبدوا الطير أو كيف الشجر
نزل ذلك الملك فكتب الله جلّ في علاه أن هذا الجنين لا يرى شيئاً إلا الظلام حتى أن يوسد قبره هناك ، بدأ يحبوا لكنه يكبوا ، لا يرى الجدران ولا يتقيها ، بدأ يقف ، سمع أصوات الأطفال يلعبون ويركضون ظن أنه يرى ، نسي أنه أعمى فانطلق فإذا به يكبوا خاراً على وجهه ، فإذا به يكل ويمل فانقلب راجعاً إلى البيت ، كبر ذلك الأعمى ، واشتد عوده ، سمع أن هناك ثمة رجل يقال له محمد ابن عبد الله يكلم الناس أنه هناك إله خالق بارئ مصور هو الذي رفع السماء ، لكن الأعمى ما رأى السماء ، هو الذي بسط الأرض ، لكن هذا الأعمى ما رأى الأرض ، هو الذي نصب الجبال ، ما رأى الجبال ، فقالوا له هو الذي شق سمعك الذي تسمع به ، هو الذي حرك أقدامك التي تتحرك بها ، فذهب بتلك الأقدام إلى محمد عليه الصلاة والسلام ، وقف أمامه محمد ، فبما يكلمه محمد صلوات ربي وسلامه عليه ؟ بما يبدأ وأي كلام يقول ؟ فإذا بذلك الأعمى منتصباً واقفاً عند رسول الله يسمع قول الله جلّ وعلا : ( إن الدين عند الله الإسلام ) فإذا بذلك الأعمى بعد أن اهتزت أركانه ، وارتعدت فرائصه ، ووجل قلبه ، واقشعر جلده ن فإذا به يرفع مباشرة تلك السبابة التي ما رآها في حياته ، يرفعها إلى السماء ، أشهد أن لا إله إلا الله ، دخل ذلك الدين في قلب لك الاعمى ، فانكشفت تلك الغطاءات وتكل الحجب فأبصر ذلك القلب ، ( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ) ما قال ربي أفمن شرح الله عينه للإسلام ، ( أفمن شرح الله صدره ) فشرح ذلك الصدر ، عاد ذلك الأعمى وسمع الخبر وشاع الأمر ، هل تظن أن كفار قريش قالوا : هذا مسكين أعمى اتركوه ، لا وربي ، قالوا وما بقي إذا ذلك الأعمى الضعيف ويتجرأ !! والله لا جرم لنجعلنه عبرة للأقوياء والضعفاء ، يقول : أخذوني إلى مكان لا أعرفه ، فجردوني من ثيابي وقيدوني ، وضع السلاسل والأغلال في قدميه ، يقول : وبينما أنا واقف ـ تخيل حاله واقف والأيادي مقيدة والأقدام مقيدة ، ثم بلا سابق إنذار ولا إخبار يجرونه حتى يندك رأسه على الحصى ، ثم يسحبونه حتى تأكل الأحجار من ظهره ، جاء بجروح تثعب دما ، ودماء تنزف ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا ) لكن ما غيرتهم المتغيرات ، ولا هزتهم الشهوات ، فاطمئن ابن أم مكتوم على أن الطريق واضح ، وعلى أن هذه الجروح سوف تضمد هناك ، فرجع ، وعذب ، ثم جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام جالساً في ذلك المجلس ، كل الصحابة ينظرون إلى محمد عليه الصلاة والسلام ويسمعون عنه ، ابن أم مكتوم لا يرى مجرد سماع فقط ، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه : ( أن الله جلّ وعلا يقول : أعددت لعبادي الصالحين ) فإذا بابن أم مكتوم يقترب ويسمع ، يحلل في ذلك العقل ، يقول الصاحين ما قال المبصرين يعني قد أكون أنا منهم ، ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ) لا تسل ذلك القلب الذي كاد أن يطير من الفرح لما سمع مالا عين رأت ، يعني قال في نفسه هؤلاء المبصرون ما رأوا تلك الجنة إذاً لم يفتني شيء ، فذهب ، الموت يلوح بين ناظريه في كل حين لكنه ما نسي أن رب العالمين الرحمن الرحيم يراه في كل حين ، مر عليه النبي عليه الصلاة والسلام وهو مقيد يعذب فأسمعه كلاماً ضمد به جراحه ، قال له : ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) يحلل الآيات ، فإذا به يقول : ( أحسب الناس أن يتركوا )، أنا من الناس ، أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) أنا مؤمن ، فإذاً لن أترك والطريق على ما يرام وأنت سائر هناك إلى ذلك الهدف الذي لم يره المبصرون ، ما ألذ تلك الحياة ، جلس يوماً عند رسول الله ، يقول له النبي عليه الصلاة والسلام ولمن معه من الصحابة رضوان الله عليهم : ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) صحيح الحديث هذا يمر علي وعليك ، صحيح إيه إن شاء الله بنتعلم بعدين ، بإذن الله الأمور إن شاء الله زينة لكن مشغولين شوي في الدنيا ، سنتعلم هناك ، إذا دفنا قلنا يا رب ارجعون لعلنا نحفظ القرآن ، نعمل صالحاً فيما تركنا ، المصحف في كل مكان لكن تركناه ، تعرف ماذا فعل هذا الحديث بابن أم مكتوم ، بدأ يحلل في الحديث ، قال النبي عليه الصلاة والسلام ( خيركم ) يعني قد لا أدخل الجنة فقط ، بل من أفضل من يدخلها ، فإذا بذلك الحديث فرصة لا تفوت ، ليست صفقة بمليون أتركها إذا مت ، فجاء عند النبي عليه الصلاة والسلام في وقت ما عند النبي عليه الصلاة والسلام أحد من الصحابة ، في وقت الظهيرة يجر خطاه ، يسأل ، أين محمد ، قالوا امضِ ، والله جلّ وعلا يره ، أين رسول الله ، قالوا : امضِ ، أين رسول الله ؟ امض ، حتى قالوا هو هناك امضِ أمامك ، فكأنه سمع صوت رسول الله ، إي والله صوت النبي ، يكلم أبا جهل ويكلم شيبة ويكلم عتبة ، لأنه يرى هؤلاء تحت السياط ، وتحت العذاب والشمس قد قطعت أجسادهم يريد أرحم الخلق بالخلق صلوات ربي وسلامه عليه يريد أن يكفوا عذابهم عن أصحابه ، فجاء ابن أم مكتوم قال : السلام عليك يا رسول الله ، علمني مما علمك الله ، أنت قلت لنا أمس أن مت تعلم القرآن وعلمه هو خير هذه الأمة ، وهو خير أصحابك ، علمني يا رسول الله ، ظن أن النبي عليه الصلاة والسلام ، التفت له وابتسم لأنه هو الذي دعاهم لهذا وهم أتباعه ، لكن والله ما تبسم له النبي عليه الصلاة والسلام ، كان مشغول يأخذ من هذا ويتكلم مع هذا ثم يقاطع هذا ، فالتفت النبي عليه الصلاة والسلام وعبس في وجه ذلك الأعمى ، ذلك الأعمى ما رآه ن ما زال متبسما ينتظر كلام النبي عليه الصلاة والسلام له ، المشهد هذا ما رآه احد إلا الله ، ما رآه أحد من الصحابة ، لكن في هذه اللحظات وهذه الثواني لما عبس النبي عليه الصلاة والسلام في وجه ذلك الأعمى تحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم ، لذلك المشهد فقط اهتزت السموات ، اهتزت سبع سموات ما بقي ملك مقرب إلا وخر للأذقان ساجدا ، لهذا الموقف ، فتكلم الله وجبريل ساجد عليه السلام ن واسرافيل ساجد عليه السلام ، فتكلم ربي جلّ في علاه ، لا يرضى ، فقال : ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) فيرفع رأسه جبريل فيأخذ ست عشرة آيه فيها عتاب من الخلاق رب الأرباب سبحانه ، إلى محمد صلوات ري وسلامه على محمد ، ويقطع بها جبريل مئات الأعوام كلمح البصر ، يقول عليه الصلاة والسلام : ( لما انقلبت عائد إلى بيتي إذا بجبريل يتنزل على محمد ويقول له ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يتزكى أو يتذكر فتنفعه الذكرى ) علها تنفعه تلك الآيات وذلك السهم فيصيب به أعلى الجنان ، ينزل أعظم ملك في أعظم رسول في أعظم أعمى ، هل رأيت في حياتك أي أعمى يركض ؟ والله ما رأينا ، لكن ذلك ال‘مى والله ركض ، الأعمى قبل أن يسير يضرب ضربةً عن يمينه وأخرى عن شماله وأخرى من أمامه ، ثم يخطوا خطوةً واحدة ، هذا الأعمى ، لا ،لم يصفه لي ولك رسول الله عليه الصلاة والسلام ، والله بل وصفه رب الرسول سبحانه جلّ في علاه ، يقول عنه واصفاً لأنه هو الذي يراه وهو خارج من بيته يريد أن يتقرب إلى الله : ( وأما من جاءك ) يمشي ، لا وربي ما كان يمشي ، ( وأما من جاءك يسعى وهو يخشى ) ما لذي جعله يسعى ، لأنه سمع : ( وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ) يعني ننجي المتقين الخائفين منا ، فجاء يسعى ، وهو يخشى ،
يقول الصحابة : والله ما جاء بعد نزول هذه الآية ذلك الأعمى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلا وأكرمه لا في عشية ولا في ضحاها ، إلا وقربه النبي عليه الصلاة والسلام وقال ( مرحباً بالذي عاتبني ربي من أجله )
والله الذي لا إله إلا هو ، أني أتفق معك أن بلال كان أشدهم عذابا جسديا ، وأن عمار أشدهم عذاباً نفسيا ، لأنه أمه معه ، بلال صحيح يعذب ، لكنه لا يلتفت ثم يرى أمه تجر أمامه ، لا يرى رأس أمه وهو تدكدكه الأحجار ، لا يرى السياط وهي تنزل على وجه أمه ، فكان عماريعذب عذاب نفسي ، يقتلونه مرتين ، و بلال أشدهم عذابا جسديا ، لكن عبدالله ابن أم مكتوم كان يعذب أشد من عذابهما من ناحية ، تعرف لما ؟ إذا جاء الرجل من قريش وانتصب فوق رأس بلال ، فرفع بلال إليه بصره ، وإذا بذلك السوط يرتفع بلال يغمض عينيه وينأى بوجهه ولو كان مقيد ، عمار كذلك ، أم عمار كذلك ، ابن أم مكتوم ، لا ، كان يأتي الرجل من قريش فيسمع خطواته ، ثم يقف ذلك الرجل ، فلا يحس ابن أم مكتوم بذاك الذي انتصب فوق رأسه ورفع سوطه إلى الأعلى ، ابن أم مكتوم لا يعلم ما زالت العينان العمي مفتوحة فإذا بذلك الرجل ينزل على ابن أم مكتوم حتى يخط ذلك السوط في وجهه ،
هددوه قيدوه وما انثنى
أخذوه عذبوه ما نكسر
ابن أم مكتوم إذا انقلب كفار قريش بعد التعذيب ، حاله حاله ، بلال يعلم أنهم قد ذهبوا والدماء تنزف لكنه يرتاح لأنه رآهم قد ولوا الأدبار ، عمار يرتاح يكلم أمه ، ابن أم مكتوم ، لا ، يتحفز في كل لحظة أن يخط في وجهه سوط آخر ، يغمض عينيه فجأة لأنه ما رآهم يوم أن أقبلوا فلا يعرف أنهم قد ذهبوا ، ( وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم ) كفار قريش ( وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ) ما ذا يقصد الله جل وعلا بالجبال هنا !! يظن الكثير أنها الجبال الراسيات ، لا ، يقول أهل التفسير : أن الله جل وعلا يقصد بالجبال ذلك الجبل الأعمى ابن أم مكتوم الذي ما تزلزل يوم أن عذب كما تزلزلنا ، ـ والله يا ربي فتن وش نسوي ـ ، يقصد بالجبال ذلك الحبشي الجبل الشامخ يعذب ولا يتزلزل ، أحد أحد ، عمار بن ياسر تقتل أمه أمامه ما قال ما أريد هذا الدين ( وما يلقاها إلا الذين صبروا ) نحن عرفنا وسمعنا بآذاننا ، هو سمع بقلبه ، فصبر ، والله ما زاده ذلك إلا إيماناً وتسليما ،
زميل لي في المستشفى كان يعاكس النساء ويؤذي محارم الله ثم إذا به يحجز لمدة أربع وعشرين ساعة في أحد أقسام الشرطة فيقول : جلست ومعي واحد نفس المشكلة ، معاكس ، يقول فجلست أسولف أنا وإياه ، فقال لي : يا أخي والله العظيم إن ها العالم يمتحنونه !! يا خي وش هالتعقيد ، والله الواحد إنه يفكر بجد إنه يتنصر .. ( يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين )
ابن أم مكتوم جاء عند النبي عليه الصلاة والسلام فسمع ـ ولا يفوت تلك الأخبار ـ يقول الصحابة والله إنه كان يأخذ نصيبه ونصيب غيره من القرآن ، فجاء وسمع النبي عليه الصلاة والسلام قد أذن له بالهجرة ، فأذن إلى مصعب بن عمير أن يرسل داعية في المدينة ، لكن ابن أم مكتوم يريد أن يعرف ما للداعية إذا سافر وترك أهله ؟ فيسمع آيات تنصت لها الأرض والسموات ، ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) من أحسن !! يعني قد أكون أنا أحسن واحد !! قال : يا رسول الله إإذن لي أن أذهب مع مصعب ، أنا أدعوا إلى الله ، فإذا بالنبي عليه الصلاة والسلام يأذن له ، انتقل سعيداً ما شياً لا تسل عن فرح قلبه ، ولا تسل عن الجنان التي أبصرها ذلك القلب ، جاء يسعى ، قلبه يرى الجنان ، والفؤاد إذا رأى قهر النظر ، مشا من مكة إلى المدينة يريد ذاك السهم الذي ذكر له هناك ، يقول البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه : أول من قدم إلينا مصعب رضي الله تعالى عنه وكان معه الأعمى ابن أم مكتوم رضي الله عنهما ، يقول المؤرخون : فصار يختلفان على الناس يعلمانهم القرآن ، ويدعوانهم إلى الله جل في علاه ،
ولي معك وقفة هنا :
ذلك الأعمى يسير لا بطائرة ، ولا بسيارة ، يقطعها لمدة أشهر على الأقدام ، يريد رضا الله العليم العلام ، سبحانه ، ومن الناس من يسافر بنعم الله تعالى إلى الحرام وإلى ما يغضب ربي جلّ في علاه ،
دخلت يوم من الأيام في المستشفى على مريض ، لم يبلغ الثلاثين بعد ، أتيت فإذا به مشلول الأطراف ، لا يتحرك فيه إلا سبع مفاصل في الرقبة ، ومفصل الفك ، يتنفس عن طريق أنبوب وفتحة فتحت له في الحنجرة ، وضعت السماعة على صدره فإذا بها أنفاس لا تكاد أن تخرج ولا تدخل ، فنزعت السماعة ، وقلت له : يعني إن شاء الله إنك أحسن اليوم ؟؟ فبدأ يحرك الشفاه ، كأنه يقول إيه إن شاء الله إني أحسن ، لكن والله ما خرج ولا حرف ، لأنه يحرك الشفاه ، والهواء يخرج مع الحنجرة قبل أن يصل إلى الحبال الصوتية ، بدأ يحاول أن يعبر وأنا أكلمه ، وهو يحاول أن يرد ولا أسمعُ شيئا وه يسمعني ، فقلت له : إن الله سبحانه وتعالى لا يحتاج أن يحرك هؤلاء الملايين ويطرحك على هذا السرير الأبيض ، لكن الله يحبك ، يريد أن كل ما تحرك عقرب الثواني وضربت ثانية إذا بالملك هنا يسجل لك حسنة والآخر يمحوا سيئة ، فما أعظم قدرك عند الله تعالى !!
نعمة ، إذا أحب الله عبداً ابتلاه ، ثم انطلق ذلك اللسان بكلمات والله ما أعددت لها عدة ولا حسبت لها حساب ، قلت له : هل تظن أن كل واحد أنعم الله عليه وحركه يعني يحبه الله جل وعلا !! حرك فرعون والآن مخلد في النار ، كم واحد الآن الله جل وعلا يحرك رجليه ، وما ترك مرقصاً في العالم إلا وراح يرقص فيه ، ولا ترك فتاة إلا تعرف عليها ، والله يوم أن قلت كم واحد أعطاه الله النعم وما ترك مرقص في العالم إلا راح يرقص فيه قسما بربي بدأت أنظر إليه وإذا بالوجه يتغير ، بدأت تتحرك تلك الأقدام ، وتلك الأيادي تهتز ، ليس لأن الله حرك الأعصاب ، لا والله ، وليس لأن الله أمر الأقدام أن تطيعه مرة أخرى ، لا والله ، لكنه بدأ ينشج ويشهق من عضلات الرقبة تلك من شدة نشيجه صار يهتز جسمه كله ، والله إن البلغم أعزكم الله يخرج من الحلق من الفتحة ، بدأت الأعين تدمع ، ثم أشوف أخوه عنده دمعت عيونه وطلع مباشرة من الغرفة ، أنا ما أدري مالذي حصل !! هذا يهتز وينشج والآخر يبكي ويخرج من الغرفة ! المهم ، إذا بالأخ هناك يناديني ، أنت تعال ، فخرجت له ، وإذا به يبكي ويكفكف دموعه ، قال يا أخي حرام عليك !! حرام عليك تتكلم عليه !! قال : يا أخي شفت هذا اللي تتكلم عليه أنت ، ثم بكى ، أقسم بالله هذا الشاب والله من أترف الأسر ، قال هذا الي تكلمت عليه يصير أخوي أنا ، والله ما كان يقعد ثلاث شهور في المملكة ، وهذا اللي تشوف وتكلمت عليه والله كان أحسن واحد يرقص في الرياض ، سبحان ربي ، جلّ في علاه ، ( أم يحسبون أن لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون ) سبحان الله ، مالذي جعل تلك الكلمات تنساق على لساني ، والله لا أدري لكن الله يدري ، مباشرة ذهبت أخذت الملف ، فتحت ، فإذا بتقرير الإسعاف يقول : أن هذا الشاب فلان الفلاني عمره سبع وعشرين سنة يوم أن أصابه الحادث وجد في أحد الطرق السريعة على أطراف مدينة الرياض الساعة الرابعة فجرا قد انقلبت فيه السيارة فوجد مشلولا شلل رباعي مغمى عليه وهو سكران ، مخمور ، فجاءه حادث الساعة الرابعة وقت نزول ربي جلّ في علاه ، أخذت الإشاعات ودمعت العين والله رغماً عني ، ولو رآها أي شخص سوف يبكي لأن العمود الفقري للضرورة عندي وعندك مستقيم لأجل هذا أنت تقوم وتقعد متى أردت ، والله العمود الفقري عنده كان مستقيما ، في الماضي أقامه الله سبع وعشرين سنة لكنه الآن والله قد فصفص ، ترى فقره هنا وفقره هنا ، ولا فقرة بجانب أختها ، ثم الأضلاع ترى كسور في الأضلاع ، داخلة على العمود الفقري في الإشاعة ، سبحان ربي جلّ في علاه ،
هذا يسافر للدعوة على الأقدام ... وهذا يسافر بالطائرة وبنعم الله إلى الحرام ..
ذا يسافر للجهاد بعزة
طالب الحور دماه هي المهر
وذا يسافر للخنا وللزنا
ظن في الدنيا خلود ومقر
( إن سعيكم لشتى ) منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ) سوف تلاقيه ، سافر حيث شئت ، وافعل ما شئت ، ...
جاء ذلك الأعمى بعد هذه الرحلة الدعوية للقاء محمد عليه الصلاة والسلام ، فرح بذلك اللقاء ، فجلس يسمع ، إذ بالنبي عليه الصلاة والسلام يفسر لهم آيات ( وإذا الجحيم سعرت ) فقال لهم عن ذلك اليوم الذي سوف أقفه أنا وأنت ، ذلك اليوم الذي مقداره خمسين ألف سنة ، ذابت قلوب الصحابة ، ذُكر الله وذُكرت آياته فوجلت قلوبهم ، ابن أم مكتوم يسمع أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول : وتدنوا الشمس في ذلك اليوم قدر ميل ، هي قطعته وهي على ذلك البعد فكيف يتحمل إذا اقتربت قدر ميل ؟ يعلمون بقلوبهم أن هذا الوعد حق يوم أن علمت أنا وأنت بشفاهنا وأقوالنا إلا من رحم الله ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : فإذا بالعرق يبلغ من الناس مبلغا ، منهم من إلى حقويه ومنهم من إلى ركبتيه ، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما ، ولا تسل عن قلب ذلك الأعمى الذي كاد أن يذوب في صدره ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: والمؤذنون هم أطول الناس أعناقا ) قال أؤذن يا رسول الله ، يقولون أنه كان يسابق بلال على الآذان يتمنى أن يرتفع ذلك العنق عن العرق ،
فهل فكرت كيف أنجوا أنا وأنت ؟!!
( ولو أنهم فعلوا ما يوعون به ) لو أني وأنت كل ما سمعنا آية بدأنا نخطط كيف نأخذها ، كيف نستفيد منها ، كيف ننجو من هذا العذاب ( ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا ، وإذا لآتيناهم من لدنا أجراً عظيما ، ولهديناهم صراطاً مستقيما ) لو أنهم فعلوا ما يوعظون به ، لكن كم فعلت أنا وأنت مما نوعظ كل يوم ، جاء يوم من الأيام واسمع إلى هذا الحديث في البخاري ومسلم ، يقول النبي عليه الصلاة والسلام في رمضان في الحديث الذي معناه : ( إذا أذن بلال الفجر فلا تمسكوا ـ لأنه يؤذن في غلس ـ لكن إذا أذن ابن أم مكتوم فأمسكوا ) سبحان الله ، كيف كان يعرف ابن أم مكتوم ، ما كان عندهم ساعات ، ولا منبهات ، كيف ؟؟ قد يقول قائل إيه يا أخي سهلة ، ترى المسألة ، يرى الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، طيب ذالك أعمى ما يرى ، يقولون : أنه كان يقف يتوخى الفجر فلا يخطئه ، سبحان من علق تلك القلوب بمن فوق العرش سبحانه ، هذه قصته مع الآذان ،
واسمع إلى قصة وقفتها وعايشتها بنفسي ،
هذه قصة لزميل لي ، والله كان هذا الزميل لا يصلي إلا إذا كان معي خجلاً مني لا خجلاً من ربه سبحانه ، وإذا كان في البيت فعلى كيفه متى ما قام صلى ، وإذا كان مشغول لا يصلي ، حياته كانت نوم في النهار وسهر في الليل على الأفلام والحرام ، في أحد الأيام ، كان سهران على مطربته المفضلة التي كان يدمن سماعها قبل أن ينام ، فإذا بصوت يملأ المكان ، إذ به صوت الآذان ، يقول : والله للتو مغمض عيوني ، حسيت والله كأن الآذان ساعة ، يقول انفلت لساني مني فقلت : ما هو وقته هذا الإزعاج ، يقول : يا ليته لم ينفلت مني ، لأني دفعت ثمن تلك الكلمات ، والله كان ثمنها غالٍ جدا ، يقول : شعرت بعدها بطنين خفيف في أذني لم أعبه به ، ثم نمت ، ولا صليت ، نمت ، لكن الذي يسمع السر وأخفى و سمعني لا ينام سبحانه ، ( أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون ) استيقظت كعادتي نزلتُ إلى أهلي ، أنظر إليهم يتكلمون ، لكن والله ما أسمع ما يقولون ، فقلت لهم مازحاً : وش فيكم أنتم تقولون سر !! ، ارفعوا أصواتكم ، يقول مازحاً لا زلت أعبث ، لم أستوعب بعد أن الأمر قد قضي في السماء ، بأن يسلب ذلك الضعيف السمع ، وأني لن أسمع كلمة بعد ذلك الآذان ، فو الله أيقنت بعدها أن الله أكبر ، ...
جاءني هذا الزميل ، بشكل مختلف ، وهو قد انقطع عني ، جاء بشكل مختلف تماما ومعه أوراق ، استغربت يطلع لي الأوراق وشكله متغير ، أخرج لي التقرير الذي قد ثبت فيه أنه قد فقد حاسة السمع تماماً وأنه ليس فيه أي أمل لسماعه مرة أخرى ، إلا أن يشاء الله ، وتجرى له عملية زراعة قوقعة في الأذن ، اليمنى فقط وهذه العملية تكلف مئة ألف ريال ، حكى لي عن معاناته خلال سنتين ، يقول : والله كل أصدقائي تركوني ، وقد كنت أخطط وأسافر معهم ، وأقضي وقتي كله معهم ، تركوني كلهم ، ولا عاد منهم أحد يزورني صرت ما أطلع من البيت ، يقول غصب علي ما هو كيفي ، شعرت وقتها بضيق لا يعلمه إلا الله تعالى ، وحزن شديد ، حتى والله فكرت أن أنتحر ، قد لا تصدقني لكن أقسم بالله لقد تمنيت أني مولود أصم ، على الأقل يكون عندي أصدقاء يفهموني بالإشارة وأفهمهم بالإشارة ، صرت جالس أقرأ قرآن و أبكتني آية ( يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ) فأصبح هذا حالي ، صرت أدع الله وأنا واقف ، وقبل أن أنام ، يا رب يا رب ، يقول : عندي مشكلة الحين ، أبسألك !! في الصلاة ، متى أقول آمين !!، يقول كنت ألصق مرفقي بمرفق الذي بجانبي حتى إذا قام أعلم أنه قال ، الله أكبر ، بدأت أحس يقيناً أن الله تعالى عظيم ، وأنه سمعني يوم لم يسمعني أحد ، بحمد الله جلّ وعلا ، بعد هذه المعاناة ، زرعت له قوقعه في مستشفى التخصصي بالرياض , وبحمد الله نجحت العملية ...
أخي ، وأخيتي ،،،
متى نعرف ونحس بنعم الله جلّ وعلا علينا ، هذا فقد حاسة واحدة فقط ، ولم يطق حياته بدونها ، ( إن الإنسان خلق هلوعا ، إذا مسه الشر جزوعا ، وإذا مسه الخير منوعا ) هذا استدركه الله برحمته وعرفه قدره ، فأسأل الله أن يتوب علينا وعليه وأن يقبله من التائبين ،،،
ولكن ماذا عن أولئك المساكين ، الذين يعصون الله بالليل والنهار ، ولا يخافون موتاً بغتة ، أو مرضاً فجأة ، ( أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون ، أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون ، أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ) فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ، اخواني ، تعالوا وانظروا لذلك الأعمى حينما جاء والحديث في صحيح مسلم ، وفيما معناه ،
جاء ذلك الأعمى يجر الخطى إلى محمد عليه الصلاة والسلام ، ووالله ما جاء ، إلا لأنه عنده أمر مهم جدا ، جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، فقال : يا رسول الله ، ليس لي قائد يقودني ، فهل لي من رخصة أصلي في البيت ، هو ما قال ذلك عبثا ، قد يكون لدغ ، تعثر ، سقط ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أرحم الخلق بالخلق ، نعم ) عندك رخصة ، ما قال أصلي الساعة سبع مع الدوام ، قال أصلي أول ما يؤذن لكن في البيت ، مالذي جعل محمد عليه الصلاة والسلام يوم أن استدار ذلك الأعمى رضي الله تعالى عنه ، يناديه ، هل تسمع النداء ـ تسمعه يقول الله أكبر حي على الفلاح ، ذلك الأعمى لا يكذب هو يريد الجنة ، قال نعم يا رسول الله قال : ( فأجب لا أجد لك رخصة ) هل تظن أن ابن أم مكتوم قال : طيب يا رسول الله ، دبروا لنا أحد يودينا ، ولا جلس يجادل ، لا والله ، لأنه يريد وهو خارج أن يأخذ معه سهم إلى الجنة ، سبحان الله ، وترى الناس هنا ، آخر شيء يفكرون فيه الصلاة ، ،،يتبع في الجزء الثاني