النجدي
31 / 01 / 2009, 10 : 08 PM
جميلة والحلم الدفين
ابن الراعي .. هو ابن هذه الصحراء المكتسية بلون رمالها الذهبية .
وابن الراعي هو ذلك البدوي الذي اسمرت وجنتاه حتى كادتا أن تحترقا من وهج الشمس
وابن الراعي هو ذلك الفتى الذي يتدفق نشاطاً وحماساً وعزةً وكبرياءً وأنفة
وابن الراعي هو الذي تعف شيمته العربية الأصيلة عن ملامسة عورات بنات جلدته إلا حلالاً
وكغيره من أبناء الصحراء فقد عشق هذه الصحراء الذهبية والتصق بها وأحب كل من ينتمي إليها..
وازداد ولعاً وتعلقاً وحباً لهذه الصحراء لأنها أنجبت له فتاة أحلامه (جميلة)
ولكن .. يروى عن أبناء الصحراء أنهم نابغون في تلقي العلم .. ومن هنا فارق جميلته وانطلق حالماً وراء طموحاته الجامعية ، وبعد سنين أربع عاد إليها وهو يحمل البكالوريوس من جامعة الملك سعود بالرياض .
عاد وهو يمني النفس بجميلة التي أحبته وعشقته عشقاً بدوياً عذرياً شريفاً ..
ولم تكن لتجرؤ على البوح بما تختزله من مشاعر جياشة إلا ما يلحظه عليها من خَبَرَ العشق .. من خلال نظرة عينيها.. اللتين تكادان تنكسران خجلاً كلما جاء ذكر ابن الراعي أمامها..
عاد ابن الراعي وهو عاقد العزم على اصطحاب والده إلى بيت والد جميلة باتجاه الشرق عبر صحراء (الحماد) حتى يصلون إلى المضارب .. لتتم الخطبة
وبعد أن تناول الجميع طعام الغداء على خروف طبخ على اللبن وهو ما يسمى (منسف) راح ابن الراعي في غياهب (الهواجيس) ... فقد بدأ أبوه الحديث مع والد جميلة .
سكت والد جميلة برهة ثم تنهّد .. ثم تقطّب وجهه غضباً .. والتفت يميناً ثم قال : جميلة لابن عمها .
... ... كادت الكلمة أن تقتل ابن الراعي ..
نظر إليه والده شاحذاً هممه أن يحتفظ بوقاره ..
قام والده من المجلس قائلاً : (أكرمكم الله)
لم يكن أمام ابن الراعي من خيار إلا أن يتمتم بنفس الكلمة ويلحق بوالده ..
وفي منتصف طريق العودة طلب من والده أن ينزله من السيارة التي كانت تمخر بهما عباب الصحراء ليكمل بقية المسير سيراً على قدميه ..
عرف أبوه أنه رقيق المشاعر .. فوافق لابنه على طلبه .. كي يسبح في بحر أفكاره
نزل ابن الراعي .. وراحت السيارة تتدحرج عبر وعورة الصحراء
وما كان منه إلا أن صعد إلى قمة جبل .. وراح يدير رأسه المثقل بالغم يمنةً ويسرة .. وأينما يلتفت يجد فضاءات واسعة .. ما أوسعها من فضاءات .. كلها ضاقت به .. حتى أناخته أرضاً .. لتذرف عيناه الدموع ويعتصر قلبه الألم حزناً على فقد جميلة
ولما قاربت شمس الأصيل على المغيب ..
رفع رأسه ، وإذا باللون الأصفر الذي يميل إلى الحمرة يملأ المكان .. فمن صفرة الصحراء إلى صفرة الشفق إلى صفرة أطرافه التي أنهكها وهج الصحراء وهجيرها .
بدأ يستجمع قواه التي خارت .. ثم نهض بتثاقل ، وأخذ يمشي بخطوات متقاربةٍ رتيبة .
وإذا بوالده الذي عاد بحثاً عن ولده يربت على كتفه ويقول له : يابني .. لن يتوقف الكون عند جميلة ، ودولاب الحياة يجب أن يستمر ..
فليعوضك الله خيراً منها .
ثم مد يده إليه وقال : تناول الماء يابني .. وارو عطشك .
ثم أدار الأب ظهره متجهاً إلى السيارة ، وعندما أدار محركها نادى ولده : هل سترافقني ؟
رفع ابن الراعي يده مودعاً أباه .. ففهم الأب أن ولده يريد البقاء بعيداً عن الأعين .. وعاد من حيث أتى .
وما هي إلا لحظات حتى ختم الظلام على المكان ، فذهب ابن الراعي إلى صلاته .. وصلى المغرب والعشاء جمعاً وقصراً ، وبعد فراغه من صلاته استلقى على الأرض مطلقاً العنان لعينيه الحزينتين تتأملان النجوم ..
ما أجمل النجوم .. ولكنها بعيدة .. كبعد جميلة ..
ثم جلس القرفصاء .. ثم نهض .. ثم جلس ثانيةً واتكأ على شجــرة ( شيح ) ملأته بعبقها وعبيرها الذي ظنه ابن الراعي كرائحة جسد جميلة .
فاغرورقت عيناه بالدموع .. ثم نادى جميلة قائلاً :
ياجميلة ..
عُرْفُ القبيلة !
وركامُ التاريخ ..
نحنُ قرابينُهُ يا جميلة
يا حُلُُم المساءِ المقتولِ في ساحةِ القبيلة
ثأرٌ قديمٌ .. خلافٌ على ثميلة ..
اختزلَ أحلامَنَا بسيوفٍ صقيلة ..
وذَبُلتْ زنابقُ فجرِنا الجميلِ في تلك الخميلة
وصرنا في قيثارةِ الرعاةِ ..
أنشودةً حزينة
وطَفِقَ يحدُوها المسافرونَ إلى المدينة
لعنةُ الأجدادِ أبتْ ..
أن تكوني لي ..
ياجميلة حليلة ..
تم حذف الرابط لضوابط المنتدى
ابن الراعي .. هو ابن هذه الصحراء المكتسية بلون رمالها الذهبية .
وابن الراعي هو ذلك البدوي الذي اسمرت وجنتاه حتى كادتا أن تحترقا من وهج الشمس
وابن الراعي هو ذلك الفتى الذي يتدفق نشاطاً وحماساً وعزةً وكبرياءً وأنفة
وابن الراعي هو الذي تعف شيمته العربية الأصيلة عن ملامسة عورات بنات جلدته إلا حلالاً
وكغيره من أبناء الصحراء فقد عشق هذه الصحراء الذهبية والتصق بها وأحب كل من ينتمي إليها..
وازداد ولعاً وتعلقاً وحباً لهذه الصحراء لأنها أنجبت له فتاة أحلامه (جميلة)
ولكن .. يروى عن أبناء الصحراء أنهم نابغون في تلقي العلم .. ومن هنا فارق جميلته وانطلق حالماً وراء طموحاته الجامعية ، وبعد سنين أربع عاد إليها وهو يحمل البكالوريوس من جامعة الملك سعود بالرياض .
عاد وهو يمني النفس بجميلة التي أحبته وعشقته عشقاً بدوياً عذرياً شريفاً ..
ولم تكن لتجرؤ على البوح بما تختزله من مشاعر جياشة إلا ما يلحظه عليها من خَبَرَ العشق .. من خلال نظرة عينيها.. اللتين تكادان تنكسران خجلاً كلما جاء ذكر ابن الراعي أمامها..
عاد ابن الراعي وهو عاقد العزم على اصطحاب والده إلى بيت والد جميلة باتجاه الشرق عبر صحراء (الحماد) حتى يصلون إلى المضارب .. لتتم الخطبة
وبعد أن تناول الجميع طعام الغداء على خروف طبخ على اللبن وهو ما يسمى (منسف) راح ابن الراعي في غياهب (الهواجيس) ... فقد بدأ أبوه الحديث مع والد جميلة .
سكت والد جميلة برهة ثم تنهّد .. ثم تقطّب وجهه غضباً .. والتفت يميناً ثم قال : جميلة لابن عمها .
... ... كادت الكلمة أن تقتل ابن الراعي ..
نظر إليه والده شاحذاً هممه أن يحتفظ بوقاره ..
قام والده من المجلس قائلاً : (أكرمكم الله)
لم يكن أمام ابن الراعي من خيار إلا أن يتمتم بنفس الكلمة ويلحق بوالده ..
وفي منتصف طريق العودة طلب من والده أن ينزله من السيارة التي كانت تمخر بهما عباب الصحراء ليكمل بقية المسير سيراً على قدميه ..
عرف أبوه أنه رقيق المشاعر .. فوافق لابنه على طلبه .. كي يسبح في بحر أفكاره
نزل ابن الراعي .. وراحت السيارة تتدحرج عبر وعورة الصحراء
وما كان منه إلا أن صعد إلى قمة جبل .. وراح يدير رأسه المثقل بالغم يمنةً ويسرة .. وأينما يلتفت يجد فضاءات واسعة .. ما أوسعها من فضاءات .. كلها ضاقت به .. حتى أناخته أرضاً .. لتذرف عيناه الدموع ويعتصر قلبه الألم حزناً على فقد جميلة
ولما قاربت شمس الأصيل على المغيب ..
رفع رأسه ، وإذا باللون الأصفر الذي يميل إلى الحمرة يملأ المكان .. فمن صفرة الصحراء إلى صفرة الشفق إلى صفرة أطرافه التي أنهكها وهج الصحراء وهجيرها .
بدأ يستجمع قواه التي خارت .. ثم نهض بتثاقل ، وأخذ يمشي بخطوات متقاربةٍ رتيبة .
وإذا بوالده الذي عاد بحثاً عن ولده يربت على كتفه ويقول له : يابني .. لن يتوقف الكون عند جميلة ، ودولاب الحياة يجب أن يستمر ..
فليعوضك الله خيراً منها .
ثم مد يده إليه وقال : تناول الماء يابني .. وارو عطشك .
ثم أدار الأب ظهره متجهاً إلى السيارة ، وعندما أدار محركها نادى ولده : هل سترافقني ؟
رفع ابن الراعي يده مودعاً أباه .. ففهم الأب أن ولده يريد البقاء بعيداً عن الأعين .. وعاد من حيث أتى .
وما هي إلا لحظات حتى ختم الظلام على المكان ، فذهب ابن الراعي إلى صلاته .. وصلى المغرب والعشاء جمعاً وقصراً ، وبعد فراغه من صلاته استلقى على الأرض مطلقاً العنان لعينيه الحزينتين تتأملان النجوم ..
ما أجمل النجوم .. ولكنها بعيدة .. كبعد جميلة ..
ثم جلس القرفصاء .. ثم نهض .. ثم جلس ثانيةً واتكأ على شجــرة ( شيح ) ملأته بعبقها وعبيرها الذي ظنه ابن الراعي كرائحة جسد جميلة .
فاغرورقت عيناه بالدموع .. ثم نادى جميلة قائلاً :
ياجميلة ..
عُرْفُ القبيلة !
وركامُ التاريخ ..
نحنُ قرابينُهُ يا جميلة
يا حُلُُم المساءِ المقتولِ في ساحةِ القبيلة
ثأرٌ قديمٌ .. خلافٌ على ثميلة ..
اختزلَ أحلامَنَا بسيوفٍ صقيلة ..
وذَبُلتْ زنابقُ فجرِنا الجميلِ في تلك الخميلة
وصرنا في قيثارةِ الرعاةِ ..
أنشودةً حزينة
وطَفِقَ يحدُوها المسافرونَ إلى المدينة
لعنةُ الأجدادِ أبتْ ..
أن تكوني لي ..
ياجميلة حليلة ..
تم حذف الرابط لضوابط المنتدى