المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عدل عقالك ياولـــد الحمولة .......


ابو عبد الكريم
02 / 11 / 2008, 50 : 09 PM
\
/

مـدخـل

فى قريتنا او فى اى قرية قد تلجأ الأوساط ، الـموغلة فـي عصبيـّتها، إلـى معاقبة "الـمارقين" من أبنائها بالنـّبذ الاجتماعيّ، فـي ألطف الأحوال، إذا ما تجرّأوا على الخروج على "طواطمها" .

(حكم العائلة)، اصطلاح مبتكر أقترحه على الأوساط العلميـّة، هي الإديولوجيـّة الـمهيمنة، بلا منازع، فـي مجتمع قريتنا .

مجتمع "قرويّ ـ تقليديّ ـ محافظ"، تغلب على بنيته الاجتماعيـّة وطبيعته الثـّقافيـّة، تركيبة عائليـّة ذات طابع (اجتماعيّ ـ سياسيّ)، بكلّ ما يترتـّب على هذه الصـّورة من مكنونات ومدلولات.

تكاد " العائلة الحمولة " تتحكـّم بهذا الـمجتمع تحكـّمـًا كاملاً مطلقـًا، وتضبطه ضبطـًا شاملاً مطبقـًا، فـي جميع الـميادين والـمجالات. فالسـّواد الأعظم من الـممارسات والـمسلكيـّات، معمول على أساس .ثمـّة ملاحظة، بداية، بخصوص قرويـّة قريتنا وتقليدانيـّتها: لم تعد القرية محسوبة، إلـى حدّ ما، على الـمجتمعات الزّراعيـّة أو الرّعويـّة الخالصة. فهي آخذة فـي التـّحوّل، تدريجـًا، إلـى مجتمع "شبه حضريّ".

يقوم هذا التـّحوّل، سلبـًا وإيجابـًا، على هيئة "تحديث" ريفيّ أو "تحضـّر" قرويّ. ويقتصر، فـي الرّاهن الـمعاصر، على النـّواحي الـمادّيـّة والاستهلاكيـّة.

لم تطرأ، بالـمقابل، تغيـّرات جذريـّة جوهريـّة، يـُشار إليها بالبنان، على الصـُّعـُد الاجتماعيـّة والثـّقافيـّة، لا سيـّما ذات الصـّلة الرّوحيـّة بالتـّقاليد الـموروثة، حيث يشكـّل الـمساس بها "تهديدًا" لكيان الـمجتمع "القرويّ ـ التـّقليديّ ـ الـمحافظ" وهويـّته وخاصـّيـّته.

ومن هنا فـي التـّناقض ما بين التـّقليد والتـّمسـّك به من جهة، والتـّحديث والتـّطلـّع إليه من الجهة الأخرى، حيث تشهد القرية "تطوّرًا" على الصـّعيد الـمادّيّ، أكثر منه على الصـّعيد الثـّقافـيّ. وهكذا، يتجاذب الـمجتمع قطبان متناقضان: التـّجديد والمحافظة.

من وجهة نظر الدّين ، هذه الفصاميـّة ليست مرضيـّة. يـُنظر إليها بعين الرّضا، ويـُعبـّر عنها بلسان الحمد والشـّكر، ما دامت لا تمسّ الـ "مقدّسات". أمـّا من وجهة نظر العلم ، فهي مرضيـّة جدًّا، وليست سويـّة أبدًا. يـُنظر إليها بعين الخوف، ويـُعبـّر عنها بلسان الرّفض والغضب.

والسـّؤال الـّذي يطرح نفسه بقوّة: أما من سبيل إلـى "تطوّر" مادّيّ، يضارعه "تطوّر" ثقافـيّ ملموس، دون الـمساس بالدّين والتـّقاليد والقيم؟!


تعمل التـّربية، أسريـًّا وحمائـليـًّا، على جـَتـْمـَعـَة الفرد القرويّ سياسيـًّا، عن طريق تشكيل شخصيـّته التـّعصـّبيـّة الـمرضيـّة، فيذوب تـَمـَاهـِيـًا فـي الحمولة، ويتماثل مع "شعاراتها" مهما كلـّف الأمر.

هذه الحمولة، وكأنـّها مؤسـّسة متحجـّرة أو عسكريـّة صارمة، تضطلع بمسؤوليـّة الجتمعة السياسيـّة بصورة حصريـّة، حيث تربـّي الفرد تربية تعصـّبيـّة، تكاد تكون متشنـّجة، لا ترى العالم إلاّ من خلال ثقب الحمولة.

وهكذا الفرديـّة، بمعنى الخصوصيـّة أو الاستقلاليـّة، غائبة أو مغيـّبة. فالفرد، فـي عرف الحمولة، مجرّد عضو أو عنصر أو نفر، لا كائن اجتماعيّ له شخصيـّته الـمستقلـّة، ويكاد يكون جنديـًّا إجباريـًّا دائمـًا فـي "جيش" الحمولة "الـمؤزّر".

ثمـّة منظومة من القيم والـمعايير، أخذ بعضها "شرعيـّة" الأعراف والـمسلـَّمات، تتحكـّم فـي السـّلوك العائـليّ (الحمائـليّ) التـّعصـّبيّ، اجتماعيـًّا واقتصاديـًّا وسياسيـًّا، وتؤثـّر فـي اتـّجاهاته ومواقفه وقراراته وسياساته.

ولـممارسة هذا التـّحكـّم، ثمـّة، لدى الحمولة، ما يشبه غرفة عمليـّات "عسكريـّة"، 24 على 24، للسـّهر على الـمصلحة "العائليـّة" العليا، وللتـّخطيط لـمناورات ومؤامرات سرّيـّة، بهدف كسر شوكة الحمائـل الـمنافسة.

من الـمعروف أنّ الانتخابات للمجالس البلديـّة، فـي معظم قرانا ، معمولة على أساس . فتسود القرية، خلال فترة الانتخابات، حالة تأهـّب قصوى، تصل حدّ التـّعبئة "العائـليـّة" العامـّة، يشوبها حذر وتوتـّر شديدان، بانتظار نتائج "الصـّراع" بفارغ الصـّبر الـمفرّغ، بالطـّبع، من حشوة الـمصلحة العامـّة.

الثـّقافة ، ذات الإديولوجيـّة التـّعصـّبيـّة، لا يمكنها أن تصبغ الثـّقافة الكلّ قرويـّة، أو الكلّ مجتمعيـّة، بصبغتها الـمرضيـّة، إلاّ بقدر ما يكون أهالـي القرية الواحدة، أو الـمجتمع القرويّ برمـّته، متماهين تماهيـًا تامـًّا مع تلك الإديويولوجيـّة فكرًا وممارسة.

قد تنطبق الثـّقافة التـّحتيـّة على الثـّقافة المجتمعيـّة الفوقيـّة، تمام الانطباق . وقد تماثلها تماثلاً كاملاً، وتتماهى بها تماهيـًا تامـًّا، بمعنى أنـّها قد تتعايش معها فـي حركة التحام دائم مع جواز حلولها محلـّها.

وهذا لن يحصل، إلاّ إذا أمعنت ماكينة التـّربية والجتمعة فـي السـّهر على إفراز شخصيـّة تعصـّبيـّة، وعلى إكسابها قيمـًا ومعاييرَ ، وتسليحها بآليـّات دفاعيـّة عائليـّة، وكلّ ذلك من أجل ضمان "الأمن القوميّ" للحمولة.

للثـّقافة ، جملة من القيم والـمعايير والأنماط ، توجـّهها إديولوجيـّة تعصـّبيـّة تؤمن بأن "العائلة" فوق جميع الاعتبارات. وما دام "قادة" الحمولة قادرين على إلهاب حماسة الأفراد والجماعات، فقل ببقاء التـّعصـّبيـّة صيغة اجتماعيـّة ـ سياسيـّة معمول بها فـي مجتمعاتنا القرويـّة.




لتقدير الفرد أو الأسرة، أو الحمولة ككلّ، على الـمسرح القرويّ الواحد أو الـمجتمعيّ العام. وكثيرًا ما يكون الفرد "لا يساوي قشرة بصلة"، بلغة العامـّة، غير أنـّه بمجرّد الانتماء لعائلة ما، يكتسب "امتيازات" اجتماعيـّة لم يعرق فـي الحصول عليها، ضاربين كشحـًا عن: "لا تقل أصلي وفصلي أبدًا / إنـّما أصل الفتى ما قد حصل".

لا قيمة ولا وزن للمؤهـّلات والـمواهب والـمهارات الفرديـّة. كلّ القيمة وكلّ الوزن للانتماءات العائليـّة والولاءات التـّقليديـّة والمحسوبيـّات القرابيـّة والعلاقات البين حمائليـّة، توجـّهها قيم وجاهة فارغة تتمثـّل، برمـّتها، فـي لياقات مظهريـّة واستعراضات شكليـّة، مفرّغة من الـمعنى الإنسانيّ النـّظيف أو الـمضمون الوطنيّ الشـّريف.



القرويّ عضو ذائب، أو مذوّب، فـي "مصهر" الحمولة. ترى إليه يتوكأ عكـّاز "عرقه" العائليّ ويفاخر فـي انتمائه إليه، أكثر من اعتزازه بنفسه واعتداده بتحصيله، كأيّ كفرد له شخصيـّته الـمستقلـّة وخصوصيـّتها الفرديـّة.

فـي الكثير من تعاملاته التـّفاعليـّة مع الآخرين، يعجز القرويّ عن التـّعبير عن نفسه دون الاستناد إلـى "ظهر" عائليّ، يشكـّل، بالنـّسبة للفرد، خلفيـّة متينة (غير خارقة للرّصاص الـمعادي) تقيه خطوب الزّمن وضروب الـمحن.

وفـي هذا السـّياق، توصـّل علم تحليل خطّ اليد (غرافولوجيا) إلـى أنّ الشـّخص الـّذي يوقـّع اسمه مقرونـًا باسم العائلة، أو حتـّى بالرّمز إليها بحرفها الأوّل، مصاب بشيء من الشـّعور بالنـّقص والدّونيـّة وعدم الثـّقة بالنـّفس، يتخوّف من توقيعه اسمه الشـّخصيّ دون الرّكون أو الرّجوع إلـى "العرق" العائليّ.

فـي توقيعه اسمه على هذه الشـّاكلة، يعتزّ الفرد بانتمائه العائليّ، أكثر من اعتزازه بإنجازه الشـّخصيّ وبذاته الـمنفردة. وكأنّ توقيعه اسمه الشـّخصيّ منفردًا، دون اسم العائلة، يشكـّل تهديدًا لهويـّته الشخصيـّته، أو حتـّى طمسـًا لجذوره "العرقيـّة" وتغييبـًا لأصوله التـّاريخيـّة. فـ "يجب"، للحيلولة دون ذلك، إبراز الأصل والفصل والحسب والنـّسب، بمناسبة وبغير مناسبة.




يسأل القرويّ أخاه القرويّ: "منين حضرة الأخ؟"، "من دار مين بلا صغرة؟"، "شو بيكونلك فلان؟". وهكذا تتحدّد هويـّة الأخ، عن طريق اسم قريته واسم عائلته وقرابته لفلان، لا عن طريق شخصيـّته الـمستقلـّة وإمكاناته وإنجازاته، سلبـًا وإيجابـًا على السـّواء.

يبني السـّائل علاقته بمحدّثه، على أساس قوالب مـُنـَمـَّطـَة (آراء قديمة وصور مشوّهة)، لا على أساس أحكام وضعيـّة موضوعيـّة تتعلـّق بالشـّخص نفسه، بصرف النـّظر عن انتمائه القرويّ أو العائليّ.

إذا اجتمع أكثر من اثنين فـي ديوان ما، وكان أحدهم غير معروف لبعض الحاضرين، فيتطوّع أحد معارفه: "الأخ فلان ابن أبي فلان من بيت فلان من القرية الفلانيـّة". فيردّ السـّامعون: "معروف.. معروف، والنـّعم.. تشرّفنا". يقولون ذلك كيلا ينتقصوا من كرامة الشـّخص الـمجهول، ولم يسبق لهم أن رأوه من قبل. هذا هو النـّفاق الاجتماعيّ بعينه، نمارسه ونسمـّيه مجاملة.


السـّواد الأعظم من "الـمثقـّفين"، فـي مجتمعاتنا القرويـّة الـمعاصرة، روّاد العائليـّة التـّعصـّبيـّة، فكرًا وممارسة. وإن لم يدع هؤلاء للتـّعصـّب العائليّ بشكل علنيّ، فيكفي أن يسلكوا سلوكـًا عائليـًّا ظاهرًا للعيان يراه الآخرون و "يقتدون" به.

إذا قام اثنان بعمل فريقيّ معيـّن، ترى كلاًّ منهما يهتمّ أن يندرج عملهما الـمشترك تحت اسمه سابقـًا لاسم زميله. أمـّا شفهيـًّا، فيقول أيّ منهما "فلان وأنا"، من قبيل التـّواضع الـمزيـّف، والتـّبخيس الشـّخصيّ الـمـُمـَوَّه.

يريد إبراز اسمه سابقـًا لاسم زميله، لا لأمور موضوعيـّة (أوبجكتيف)، إنـّما لاعتبارات ذاتيـّة (سبجكتيف). ولا تدفعه إلـى ذلك أنانيـّة شخصيـّة، إنـّما نـَحـْنـَوِيـَّة عائليـّة، بقصد إظهار اسم عائلته سابقـًا واسم عائلة زميله لاحقـًا. وهكذا، "يشبع" غريزة "تزعـّميـّة" كامنة فـي عقله الباطن (اللاّوعي). يريد أن تكون عائلة الزّميل تابعة، وعائلته هو متبوعة.

إنـّها قيم استعراض ووجاهة فارغة، لا تصبّ إلاّ فـي خانة من خواء وتفاهة. فالأوّل لا يريد استعراض عائلته كطليعة، بقدر ما يريد إظهار عائلة الثـّاني فـي منزلة دون منزلة عائلته، حتـّى لو عرف، فـي قرارة نفسه، أنّ عائلة زميله، الـمـُراد تبخيسها، أكبر حجمـًا (؟!) وأعرق أصلاً (؟!) وأبيض أيادٍ (؟!) وأنصع تاريخـًا (؟!) وأقلّ مساومةً (؟!) على مصالح القرية.

يفعل ذلك من قبيل التـّبخيس والحطّ من مكانة العائلة الثـّانية، الأمر الـّذي يعود إلـى أنانيـّة وأنويـّة ونرجسيـّة مرضيـّة، تتـّصف بها الشـّخصيـّة القرويـّة العائـلقراطيـّة الـمعقـّدة الـمذوّبة فـي "أتون" العصبيـّة العمياء.

ويعود ذلك، أيضـًا، إلـى مشاعر النـّقص والدّونيـّة. فكثيرًا ما يبخـّس الإنسان ما لا يستطيع اللـّحاق به أو تجاوزه، فيحطّ من قدره وينتقص من قيمته، فتراه يكتب اسمه قبل اسم زميله من قبيل التـّعويض.





يعتبر القرويّ نفسه رسولاً (مبعوثـًا / موفدًا / ممثـّلاً) من قبل العائلة إلـى الـمجتمع: مؤسـّسات يتعامل معها، أنظمة ينتسب إليها، إطارات يلتحق بها، مناسبات يشارك فيها.

نجاح "الـمبعوث" نجاح للعائلة، ومبعث فخر ومحطّ اعتزاز لها، حتـّى وإن كان النـّجاح ملفـّقـًا. فالـمبعوث النـّاجح، صنيع العائلة ومـُلك "قوميّ" لها، وليس صنيع نفسه ولا يملك نفسه.

إذا أصبح "الـمبعوث" ضابطـًا، فهو ضابط العائلة. وعلى ذلك قس: محاميها ومهندسها وطبيبها، وهلمـّجرّا. فللعائلة نزعة، بل غريزة، تملـّكيـّة، ما بعدها غريزة. أفرادها، مهما بلغوا من شأو وفـي أيّ من الـمجالات، ملك لها، تستثمرهم فـي معركة "سباق التـّسلـّح" مع العائلات الـمناوئة على السـّاحة القرويـّة.

وبالـمقابل، فشل "الـمبعوث"، أو خيبته، فشل للعائلة وخيبة أمل و "سواد وجه" لها، تـُصاب العائلة، فـي أعقابه، بنكسة مؤلـمة، وبرضـّة نفسيـّة عنيفة، وبجرح عميق فـي صميم كبريائها.

وسرعان ما تلجأ العائلة، فـي تبرير فشل مبعوثها، إلـى وسائل دفاعيـّة واهية، مرّوجة أنّ الفشل جاء نتيجة لتآمر عائلة مناوئة سدّ على "مبعوثها" الطـّريق إلـى النـّجاح، متناسية أو متجاهلة أن ثمـّة أسباب موضوعيـّة، أو ذاتيـّة، قد تحول دون النـّجاح.




وقد يكون الـّذي "خرب بيته"، ليس بالضـّرورة من عائلة مناوئة، بل أحد أقربائه من العائلة نفسها، غير أنـّه من "جبّ" (فخذ أو بطن) آخر، جاهلاً أنّ "البغض فـي القرايب والحسد فـي الجيران". وذلك كي يظلّ ذلك "الجبّ" يتصدّر العائلة ويتزعـّمها، متسلـّطـًا على بقيـّة "الأجباب" داخل الحمولة الواحدة.

هذا يدخلنا إلـى مبحث آخر، لا يقلّ أهمـّيـّة، هو تجاذب خيوط السـّلطة والنـّفوذ بين فروع الحمولة الواحدة، (الفرع) الأقوى فـي الحمولة، على عكس ما ينادي به، يتخوّف من تقدّم الأفراد فـي حمولته، لأنّ تقدّمهم يشكـّل تهديدًا لـمكانته وزعامته.



يتهرّب القرويّ، بطريقة بهلوانيـّة، من الـمساهمة فـي أيـّة حركة علمانيـّة،


يوافق على الفكرة من حيث الـمبدأ. ولكن، عند التـّطبيق، ترى إليه "فصّ ملح وذاب" وغاب عن الأنظار. يتحدّث، فـي حضرة نظرائه أبناء العائلات الأخرى فـي القرية، ويستفيض عن الـمصلحة العامـّة والـمثاليـّة، والـمدينة الفاضلة والطـّوباويـّة، والنـّزاهة والـموضوعيـّة، والـمكاشفة والعلنيـّة، والـمحاسبة والدّمقراطيـّة. غير أنـّه، فـي ديوان العائلة أو فـي حضرة أقربائه، يستميت فـي الدّفاع عن حياض الحمولة، ولا يستنكف عن نقد الـمحاولات
لتبرير تمسـّكه بالصـّيغة العائليـّة.

لا يلتزم بما ينادي به من معتقدات وقيم ومبادئ. لا يتحمـّل مسؤوليـّة القول ولا يقوى على القدوم إلـى مطارح الفعل. فعله مغاير لقوله تمامـًا، لا بل معادٍ له ألدّ عداء. ينتقد العائليـّة التـّعصـّبيـّة ويشارك فـي تصعيدها، فـي آنٍ واحد.

الـتـّـقـلـيـد الأعـمـى

القرويّ مقلـِّد فـي جميع جوانب سلوكه ومناحي حياته، لأنـّه يشبّ فـي ظلّ تربية معلـّبة اجتراريـّة، لا طليقة إبداعيـّة. يرضخ لـمقتضيات وأعراف ومسلـّمات تقليديـّة ماضويـّة سلفيـّة، رازحـًا تحت وطأة "جاه" العائلة و "كرامتها" (؟!)، متزلـّجـًا فوق لعابها الـمتكالب أبدًا على اقتسام "كعكة" السـّلطة فـي القرية، مطأطئـًا رأسه الفارغ تحت نيرها التـّافه.

القرويّ، بفعل التـّقليد الأعمى والـمحاكاة الحسودة، مأخوذ بالـمقتنيات الـمظهريـّة ومفتون باللـّياقات الشـّكليـّة. يقلـّد ويحاكي، حتـّى لو كلـّفه ذلك ما "فوقه وتحته"، فـي الـمسكن والـملبس والتـّجهيزات والـمقتنيات ، وما إلـى ذلك من أمور قد تكون من قبيل الكماليـّات.


ثمـّة إيجابيـّات، أو حسنات، للعائلة والعائـليـّة، ولكن بدوافعها الاجتماعيـّة التـّضامنيـّة الـمـُعافاة، لا بمناوراتها التـّعصـّبيـّة الـمرضيـّة. فشتـّان ما بين العائليـّة السـّياسيـّة الهدمويـّة من جهة، والعائـليـّة الاجتماعيـّة الدّعمويـّة من الجهة الأخرى.

العائـلة (الحمولة)، نظام اجتماعيّ قويّ الجذور فـي تاريخنا الاجتماعيّ وجليّ الحضور على مسرحنا القرويّ، يؤمـّن، من بين ما يؤمـّن للفرد أو الأسرة، خدمات لا تقدّمها غير أنساق رسميـّة أو شعبيـّة، مثل: الـمساعدة الـمتبادلة، الضـّبط الاجتماعيّ، الدّفاع الأمنيّ، التـّضامن الاجتماعيّ، الدّعم الـمعنويّ، الـمساعدة الـمادّيـّة، وغير وظائف تقوم بها الحمولة، بغيرما قواعد وقوانين مكتوبة، إنـّما بدافع القرابة الدّمويـّة.

غير أنّ هذه الجوانب الإيجابيـّة السـّويـّة القويمة، لم تتغلـّب بعد على الجوانب السـّلبيـّة الـمرضيـّة الذّميمة. وحتـّى ممارسة بعض الـمظاهر الإيجابيـّة قد تكون، أحيانـًا، من منظورات ومنطلقات حمائـليـّة تعصـّبيـّة توجـّهها قيم الوجاهة والاستعراض، بهدف إثارة حسد الآخرين وقهرهم.


ا التـّعصـّبيـّة الـمرضيـّة تعبـّر، بالضـّرورة، عن شعور عائليّ اجتماعيّ سياسيّ نموذجي، هو الشـّعور بالعجز والتـّخلـّف. يتهرّب القرويّ من الاستجابة الفعليـّة الـمباشرة. يواجه الـمواجهة والتـّحدّي باللاّمواجهة والرّضوخ. يدافع كلاميـًّا عن الـمصلحة العامـّة، لكنـّه فـي الواقع هو وعائـلته يساومان ويتآمران على هذه الـمصلحة، من أجل منافع شخصيـّة فرديـًّا وعائـليـًّا. يهتمـّان، دائمـًا، فـي الحصول على حصـّة الأسد من "الفريسة"، محافظةً على "الأمن القوميّ" للعائـلة ومن أجل رفعتها وعزّتها.

الرّوح العائـليـّة، فـي الـمجتمع القرويّ، هي روح تعصـّب وكراهية. أمـّا الإديولوجيـّة العائـليـّة، فهي إديولوجيـّة مؤامرات ودسائس. والنـّظام العائـلقراطيّ، هو نظام فساد وفراغ. وتتـّصف هذه الوضعيـّة بعدم القدرة على مواجهة الواقع مواجهة فعليـّة وفاعلة وفعـّالة، وعلى التـّعامل مع الحقائق معاملة عقلانيـّة موضوعيـّة.

لا تقدّم بدون وعي. ولا وعي بدون معرفة. ولا معرفة بدون علم . ولا علم بدون عقل. يلزمنا، إذن، أن نحكـّم العقل لا القلب، والـمنطق لا العاطفة، علـّنا نردم ميليمترًا مكعبـًا من الهوّة العميقة السـّحيقة بين ما نقول وما نفعل.
ولكم
تحية ملؤها المحبة

الطيف الأزرق
04 / 11 / 2008, 01 : 04 PM
أخي ولد العبدالكريم
تحية طيبة
هلا اختصرت ما تريد الوصول إليه في سطور
شاكراً لك ومقدرا جهدك

عصي الدمع
04 / 11 / 2008, 05 : 04 PM
السلام عليكم ,,

لا أرى ما يستحق النقاش !!

و لكن هل هذه الشحنات الكلامية من نطق لسانك ؟!!

أو ما نقلتاه يداك ؟!!

ابو عبد الكريم
10 / 11 / 2008, 15 : 01 AM
\
/

اهلين وسهلين الطيف الازرق

صدق من قال نحن شعب لا يقراء

والسـّؤال الـّذي يطرح نفسه بقوّة: أما من سبيل إلـى "تطوّر" مادّيّ، يضارعه "تطوّر" ثقافـيّ ملموس، دون الـمساس بالدّين والتـّقاليد والقيم؟!

للى بعدوه ... وعليكم السلام ورحمة الله وبركاتة

الكلام مكبوتات كريستالية لقروى اسمه تركى ... :67:

الضامي
10 / 11 / 2008, 49 : 10 AM
المجال واسع أخي ابو عبدالكريم والدين الإسلامي قابل لتغيرات العصر وليس عائق ابداً لأي تتطوير مادي يعقبه ثقافي
أما عن العادات والتقاليد والقيم مادامت متناقضة مع الدين الإسلامي ترمى بوجه الحائط أما إن كانت مؤيدة للشريعة وغير مخالفة لهذا الدين فلا مانع من تطورها .

هذا مافهمته عطفاً على ردك الأخير

لك كل الود عزيزي

الرقم الصعب 1
14 / 11 / 2008, 23 : 02 AM
ابو عبد الكريم

اعتقد ان ما ذكرت لا يوجد الا في القرى الصغيره والمغلقة (يعني كل اهل القرية عيال عم وقرايب)