بحر الحنان
12 / 02 / 2004, 01 : 12 AM
اخذت مقعدي في الطائرة...وربطت الحزام...واعلن كابتن الطائرة الاستعداد للاقلاع.....مدة الرحلة كانت 6 ساعات.....تناولت المنديل المعطر ومسحت بقايا الزمن الذي على وجهي........أقلعت الطائرة وصرنا ابعد ما نكون عن الارض......الجميع كانوا في قمة السعادة ....يضحكون ويمرحون......المقعد الذي بجانبي لا يجلس عليه احد.....الا بقايا آهاتي الهاربة مني.......انزلت حقيبتي الصغيرة واخذت كتابا كنت اشتريته كي اقراه خلال مدة الرحلة....وكنت متشوقا اليه كثيرا......انهمكت في قرآته ساعتين متواصلتين.....حتى داخلتني احدى المضيفات بقولها (روبيان او دجاج ) وكانت تقصد العشاء......قلت شكرا لست جائعا......فقط شيئ من العصير.......الركاب يمرحون.....منهم من مات ضحكا مع فيلم الكارتون ....ومنهم من امتلا فاه بالحلوى.....ومنهم من هو منهمكا بسرد قصة حياته على جاره في المقعد ...ومنهم من هو يعرف نفسه على احدهم ...وغيرهم من يغط في سبات عميق.....و...و... الا انا صرت متشبثا بهذا الكتاب دقيقة بعد دقيقة ساعة بعد ساعة...........الجميع هدأو وناموا.....الساعة تشير الى العاشرة ليلا.....الانوار مطفأة عدا نور صغير مسلط على كتابي الذي اقرأه.......اقلب صفحاته وكاني اقلب مشوار عمري......انفاسي تتصاعد مع كل جملة اقراها.......بت كذلك حتى قاربت الساعة تشير الى الثانية عشر من منتصف الليل...................فجأة ،،، همس في اذني صوت دافئ جدا... حروفه تتراقص على نغمات شجية.....قائلا ...( ممكن اجلس) ؟؟؟؟؟؟؟ رباه.....ملاك اتى من السماء......ام حورية خرجت من البحر؟......لا ادري.....ما ادريه انها قالت: ممكن سؤال؟؟ فقلت بصوت (مسكين ).....تفضلي........فقالت: ست ساعات وانت تجلس على مقعدك لم تتناول سوى كاس من العصير .....عيناك لم تحدق سوى بهذا الكتاب.....لم تكلم احد.....كنت اراقبك طوال هذه الرحلة....لقد مزقت قلبي لما اراه على محياك من وحدة وحزن دفين....وانت في ريعان الشباب.....بالله عليك من انت ومابك؟؟ قالتها وكان صوتها تسلل الى اعماقي...وحطم حواجز الزمن التي احتظنها ....قالتها وانا لم اسبح في فضاء من الخيال ...................ربطت جاشي وقلت لها.....أنا من ينتزع فرحه من اعماق الحزن.......كل هذا الحديث كان في ثلاث دقائق فقط حينها اعلن كابتن الطائرة الاستعداد للهبوط....فغادرت هي الى مكانها الذي اكتشفت انه خلفي........وتوقفت الطائرة....واخذت حقيبتي استعدادا للنزول.....ولما وقفت ....نظرت اليها....وهي جالسة.....وعيناها تمتلأ بالدموع......فقلت لها الن تنزلين ؟ قالت : لا ساواصل رحلتي.....مددت لها الكتاب....ومدت يدها لتاخذه.....ولامست يدي يدها....ومسحت عليها بحرقة.....اخذت الكتاب ونزلت دمعتها عليه .......وخفضت بصرها لتمسحها......حينها قررت ان اغادر قبل ان ترفع بصرها ثانية.....وقبل ان احترق امامها........غادرت وانا ارقب حياة مدمرة تعيش على ذكرى ثلاث دقائق من الحب......كان عنوان الكتاب الذي بيننا......( لا تنظر الى الماضي ) )