سُلاَفْ القَصِيدْ
23 / 07 / 2017, 54 : 03 AM
فمن لها يوم السَّبُع ؟!
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح ، ثم أقبل على الناس
فقال : ( بَيْنَا رجلٌ يَسُوقُ بقرةً ، إذ ركِبَها فضَرَبَها ، فقالت : إَّنا لم نُخْلَقْ لهذا ؛ إنَّما خُلِقْنَا للحرثِ ) ،
فقال الناس : سُبحانَ اللهِ ! ، بَقَرةٌ تكَلَّمَ ؟ ، فقال : ( فإنِّي أُومِنُ بهذا ، أنا و أبو بكر وعمر ، وما هما ثَمّ .
وبينما رجلٌ في غَنَمِه ، إذ عَدَا الذِّئبُ ، فذَهبَ منها بشاةٍ ، فطَلَبَ حتَّى كأنَّه استَنْقَذَها منه ، فقال له الذِّئب هذا :
استَنْقَذْتُها منِّي ، فَمَن لها يومَ السَّبُع ، يوم لا راعيَ لها غيري ؟ ) ، فقال النَّاس : سُبحانَ اللهِ ! ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ ؟ ، فقال :
( فإنِّي أُومِنُ بهذا ، أنا و أبو بكرٍ وعمر ، وما هما ثَمّ ) " . متفق عليه واللفظ للبخاري
معاني المفردات
بينا رجل : أي بينما رجل
وما هما ثمّ : أي ليسا حاضرين ، والكلام عائد إلى أبي بكر و عمر رضي الله عنهما
عدا الذئب : هجم على الغنم
استنقذها منه : أي خلّصهما من الذئب
يوم السَّبُع : يوم في آخر الزمان ، ينشغل الناس فيه بالفتن عن أمور معاشهم
حتى تعدو السباع على الغنم .
تفاصيل القصّة
اعتراض بقرةٍ ، وشماتة ذئبٍ ، أعجوبتان من أعاجيب القصص التي حدثت في العصور السابقة ، والأمم الغابرة ،
وبقيت شاهدةً على عظيم قدرة الله التي لا يعجزها شيء في الأرض ولا في السماء.
وليس الغرض من هذه القصص وأمثالها من الغرائب مجرّد المتعة والتسلية ، أو إشباع الرغبة الإنسانيّة في معرفة
كل ما هو عجيب ، بل الغرض منها ما تحمله من دروس نافعة ، وعظات قيّمة ، تعمل على ترسيخ العقيدة وتهذيب الأخلاق ،
فتحدث بذلك تصحيحاً للتصوّرات وتقويماً في السلوك .
ولأجل هذا الهدف العظيم كان النبي – صلى الله عليه وسلم – ينتهز كل فرصة في تعليم أصحابه وتوجيههم ، خصوصاً
عند اجتماعهم أوقات الصلوات ، وكان منها إخبار النبي عليه الصلاة والسلام بهاتين القصّتين بعد صلاة الفجر من أحد الأيّام .
أما القصّة الأولى ، فتتعلّق برجلٍ كان يملك بقرة ، يستفيد من لبنها ، ويستخدمها في الحرث ونحوها من أعمال الزرع .
وبينما هو في حقله قد أضناه التعب وأجهده المسير ، فكّر في استعمال بقرته في غير ما خُلقت له ، فركبها كما يركب الخيل ،
وزجرها لتُسرع ، فإذا بالبقرة تلتفت إليه وتكلّمه بلسان فصيح : " إنا لم نخلق لهذا ؛ إنما خلقنا للحرث " .
إنه أمرٌ عجيب ، خارقٌ للمألوف ، إلى حدٍّ جعل الصحابة يهتفون قائلين : " سبحان الله ! ، بقرة تكلم ؟ " ،
وما كان قولهم تكذيباً لما أخبر به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أو إنكاراً له ، حاشاهم أن يصدر منهم ذلك ،
ولكنّه كان وليد دهشة أصابتهم ، وحيرة تملّكتهم ، عند سماع الخبر .
ويعقّب النبي – صلى الله عليه وسلم – على ردّ فعلهم بقوله مؤكداً : ( فإني أومن بهذا ، أنا و أبو بكر وعمر ) ثقة بهما ،
لعلمه بصدق إيمانهما ، وقوّة يقينهما ، وكمال معرفتهما بالله جلّ وعلا وقدرته .
ولأنّ الشيء بالشيء يُذكر ، أكمل النبي صلى الله عليه وسلم موعظته بذكر حادثة أخرى ،
حاصلها أن ذئباً عدا على غنم أحد الرعاة ، فأمسك بإحداها وساقها أمامه ، لكنّ الراعي استطاع أن يلحق بالذئب ويُنقذ شاته ،
فجلس الذئب غير بعيدٍ عن الراعي ثم قال : " استنقذتها مني ، فمن لها يوم السبْع ؟ " ، وهو يوم يأتي في آخر الزمان ،
حين تقع الفتن ويكثر البلاء ، فيذهل الناس عن مصالح دنياهم ، وتُترك الأنعام هملاً لا راعي لها ، فتعدو عليها الذئاب والسباع ،
وهذا هو المقصود بــ :" يوم لا راعي لها غيري " .
ويتعجّب الصحابة مرّة أخرى لسماعهم كلام الذئب ، فيبيّن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنّه يؤمن بذلك هو وصاحباه ،
على الرغم من عدم وجودهما معه في تلك الجلسة ، للسبب ذاته .
وقفات مع القصّة
إذا تجاوزنا الحديث عن القدرة الإلهيّة المشار إليها في الحديث ، فثمّة إشارة تربوية عظيمة يجدرالوقوف عندها والتنبيه عليها،
وهي أن البقرة على الرغم من كونها مجرّد حيوان يعيش وفق دوافعه الغريزية ، ويعلم وظيفته في الحياة ، ويدرك أن الله
سبحانه وتعالى قد وضع نواميس كونيّة وسنناً إلهيّة لا يجوز العدول عنها أو الانحراف عنها ، فهو بذلك يفضل كثيراً من البشر
الذين تعجّ بهم الحياة ، ممّن يجهلون غاية وجودهم ، ولا يلتزمون بالمنهج الربّاني الذي ينظّم سلوكهم وينسّق حركتهم ،
حتى إنهم ليصدق عليهم وصف ربنا تبارك وتعالى : { إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا } ( الفرقان : 44 ) .
ووقفة ثانية حول قضية الإيمان بالغيب ، تلك العلامة الفارقة بين المؤمن الذي يؤمن بكل ما أخبر به رسول الله –
صلى الله عليه وسلم – سواءٌ شاهد ذلك أم لم يشاهده ، وسواءٌ عقله وفهمه أم فاق ذلك تصوّره وإدراكه ،
ما دام الخبر قد صحّ عن الصادق المصدوق ، وبين الكافر الذي يقف من تلك المغيبات موقف الشاكّ والمرتاب ،
ومثلهم أصحاب المذاهب المادّية والمدارس العقلية الذين يقدّمون العقل على النصوص الصحيحة الصريحة ،
بحجّة أنها لا تتماشى مع عقولهم القاصرة وأفهامهم السقيمة .
كما يُضمّ هذا الحديث إلى جملة الأحاديث التي تبيّن فضل الصحابيّين الجليلين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
وعظيم مكانتهما ، فكانا بحقٍّ نعم الرفيقان للنبي – صلى الله عليه وسلم – في حياته وبعد مماته .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح ، ثم أقبل على الناس
فقال : ( بَيْنَا رجلٌ يَسُوقُ بقرةً ، إذ ركِبَها فضَرَبَها ، فقالت : إَّنا لم نُخْلَقْ لهذا ؛ إنَّما خُلِقْنَا للحرثِ ) ،
فقال الناس : سُبحانَ اللهِ ! ، بَقَرةٌ تكَلَّمَ ؟ ، فقال : ( فإنِّي أُومِنُ بهذا ، أنا و أبو بكر وعمر ، وما هما ثَمّ .
وبينما رجلٌ في غَنَمِه ، إذ عَدَا الذِّئبُ ، فذَهبَ منها بشاةٍ ، فطَلَبَ حتَّى كأنَّه استَنْقَذَها منه ، فقال له الذِّئب هذا :
استَنْقَذْتُها منِّي ، فَمَن لها يومَ السَّبُع ، يوم لا راعيَ لها غيري ؟ ) ، فقال النَّاس : سُبحانَ اللهِ ! ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ ؟ ، فقال :
( فإنِّي أُومِنُ بهذا ، أنا و أبو بكرٍ وعمر ، وما هما ثَمّ ) " . متفق عليه واللفظ للبخاري
معاني المفردات
بينا رجل : أي بينما رجل
وما هما ثمّ : أي ليسا حاضرين ، والكلام عائد إلى أبي بكر و عمر رضي الله عنهما
عدا الذئب : هجم على الغنم
استنقذها منه : أي خلّصهما من الذئب
يوم السَّبُع : يوم في آخر الزمان ، ينشغل الناس فيه بالفتن عن أمور معاشهم
حتى تعدو السباع على الغنم .
تفاصيل القصّة
اعتراض بقرةٍ ، وشماتة ذئبٍ ، أعجوبتان من أعاجيب القصص التي حدثت في العصور السابقة ، والأمم الغابرة ،
وبقيت شاهدةً على عظيم قدرة الله التي لا يعجزها شيء في الأرض ولا في السماء.
وليس الغرض من هذه القصص وأمثالها من الغرائب مجرّد المتعة والتسلية ، أو إشباع الرغبة الإنسانيّة في معرفة
كل ما هو عجيب ، بل الغرض منها ما تحمله من دروس نافعة ، وعظات قيّمة ، تعمل على ترسيخ العقيدة وتهذيب الأخلاق ،
فتحدث بذلك تصحيحاً للتصوّرات وتقويماً في السلوك .
ولأجل هذا الهدف العظيم كان النبي – صلى الله عليه وسلم – ينتهز كل فرصة في تعليم أصحابه وتوجيههم ، خصوصاً
عند اجتماعهم أوقات الصلوات ، وكان منها إخبار النبي عليه الصلاة والسلام بهاتين القصّتين بعد صلاة الفجر من أحد الأيّام .
أما القصّة الأولى ، فتتعلّق برجلٍ كان يملك بقرة ، يستفيد من لبنها ، ويستخدمها في الحرث ونحوها من أعمال الزرع .
وبينما هو في حقله قد أضناه التعب وأجهده المسير ، فكّر في استعمال بقرته في غير ما خُلقت له ، فركبها كما يركب الخيل ،
وزجرها لتُسرع ، فإذا بالبقرة تلتفت إليه وتكلّمه بلسان فصيح : " إنا لم نخلق لهذا ؛ إنما خلقنا للحرث " .
إنه أمرٌ عجيب ، خارقٌ للمألوف ، إلى حدٍّ جعل الصحابة يهتفون قائلين : " سبحان الله ! ، بقرة تكلم ؟ " ،
وما كان قولهم تكذيباً لما أخبر به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أو إنكاراً له ، حاشاهم أن يصدر منهم ذلك ،
ولكنّه كان وليد دهشة أصابتهم ، وحيرة تملّكتهم ، عند سماع الخبر .
ويعقّب النبي – صلى الله عليه وسلم – على ردّ فعلهم بقوله مؤكداً : ( فإني أومن بهذا ، أنا و أبو بكر وعمر ) ثقة بهما ،
لعلمه بصدق إيمانهما ، وقوّة يقينهما ، وكمال معرفتهما بالله جلّ وعلا وقدرته .
ولأنّ الشيء بالشيء يُذكر ، أكمل النبي صلى الله عليه وسلم موعظته بذكر حادثة أخرى ،
حاصلها أن ذئباً عدا على غنم أحد الرعاة ، فأمسك بإحداها وساقها أمامه ، لكنّ الراعي استطاع أن يلحق بالذئب ويُنقذ شاته ،
فجلس الذئب غير بعيدٍ عن الراعي ثم قال : " استنقذتها مني ، فمن لها يوم السبْع ؟ " ، وهو يوم يأتي في آخر الزمان ،
حين تقع الفتن ويكثر البلاء ، فيذهل الناس عن مصالح دنياهم ، وتُترك الأنعام هملاً لا راعي لها ، فتعدو عليها الذئاب والسباع ،
وهذا هو المقصود بــ :" يوم لا راعي لها غيري " .
ويتعجّب الصحابة مرّة أخرى لسماعهم كلام الذئب ، فيبيّن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنّه يؤمن بذلك هو وصاحباه ،
على الرغم من عدم وجودهما معه في تلك الجلسة ، للسبب ذاته .
وقفات مع القصّة
إذا تجاوزنا الحديث عن القدرة الإلهيّة المشار إليها في الحديث ، فثمّة إشارة تربوية عظيمة يجدرالوقوف عندها والتنبيه عليها،
وهي أن البقرة على الرغم من كونها مجرّد حيوان يعيش وفق دوافعه الغريزية ، ويعلم وظيفته في الحياة ، ويدرك أن الله
سبحانه وتعالى قد وضع نواميس كونيّة وسنناً إلهيّة لا يجوز العدول عنها أو الانحراف عنها ، فهو بذلك يفضل كثيراً من البشر
الذين تعجّ بهم الحياة ، ممّن يجهلون غاية وجودهم ، ولا يلتزمون بالمنهج الربّاني الذي ينظّم سلوكهم وينسّق حركتهم ،
حتى إنهم ليصدق عليهم وصف ربنا تبارك وتعالى : { إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا } ( الفرقان : 44 ) .
ووقفة ثانية حول قضية الإيمان بالغيب ، تلك العلامة الفارقة بين المؤمن الذي يؤمن بكل ما أخبر به رسول الله –
صلى الله عليه وسلم – سواءٌ شاهد ذلك أم لم يشاهده ، وسواءٌ عقله وفهمه أم فاق ذلك تصوّره وإدراكه ،
ما دام الخبر قد صحّ عن الصادق المصدوق ، وبين الكافر الذي يقف من تلك المغيبات موقف الشاكّ والمرتاب ،
ومثلهم أصحاب المذاهب المادّية والمدارس العقلية الذين يقدّمون العقل على النصوص الصحيحة الصريحة ،
بحجّة أنها لا تتماشى مع عقولهم القاصرة وأفهامهم السقيمة .
كما يُضمّ هذا الحديث إلى جملة الأحاديث التي تبيّن فضل الصحابيّين الجليلين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
وعظيم مكانتهما ، فكانا بحقٍّ نعم الرفيقان للنبي – صلى الله عليه وسلم – في حياته وبعد مماته .